على وقع الهدوء الأمني اللبناني، الذي يتلمس طريقه للخروج من الأزمة السياسية في أعقاب الإستقالة الملتبسة لرئيس الحكومة ​سعد الحريري​ من الرياض والتريث في تقديمها من بيروت رسميا، الى رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، تقدمت على جدول أعمال القوى الوطنية والاسلامية الفلسطينية واللبنانية ثلاث قضايا بارزة: المطلوبون و​المخدرات​ والمصالحات، وفيهم محاولة جدية لتحصين أمن واستقرار ​المخيمات الفلسطينية​ وخاصة ​مخيم عين الحلوة​ الذي يعيش حالة من الهدوء "الهش" القابل للإهتزاز في أي لحظة.

في الأولى، فقد قفزت قضية الارهابيين المطلوبين في مخيم عين الحلوة فجأة الى واجهة الإهتمام السياسي والأمني الفلسطيني واللبناني معا، بعدما تأكدت الأنباء التي تحدثت عن فرار اثنين من البارزين في "​الشباب المسلم​" بإتجاه ​سوريا​، هما: ​هيثم الشعبي​" ​ومحمد عارفي"، اضافة الى مطلوب ثالث لبناني يدعى​ "أبو حديفة الطرابلسي"، حيث قرأت الخطوة على أنها ترجمة للضغوط التي تمارس لمعالجة قضية المطلوبين في المخيم وإقفال هذا الملف الذي ما زال يشكل هاجسا لدى القوى اللبنانية بإعتباره مصدرا لتهديد الأمن والاستقرار الوطني.

وقضية المطلوبين التي فتحت على نار حامية هذا العام ومورست ضغوط سياسية كبيرة على هؤلاء تأخذ ثلاث اتجاهات، الأول الفرار من المخيم وقد شهدت عمليات متتالية أبرزها من الارهابي اللبناني رقم واحد ​شادي المولوي​ (26 تشرين الأول 2017)، مع شخصين بينهم الفار من ​الجيش اللبناني​ محمد عنتر، الذي ألقت ​شعبة المعلومات​ في ​الأمن العام​ جنوبا القبض عليه في صيدا (9 تشرين الثاني 2017) وربيع محمود نقوزي (28 تشرين الأوّل 2017)، والصادر بحقه حكما غيابيا بالإعدام عن "​المحكمة العسكرية​ الدائمة" في بيروت برئاسة العميد الركن حسين عبدالله وقبله المصري فادي إبراهيم ​أحمد علي​ أحمد "أبو خطاب" (28 ايلول 2017) العقل المدير لخلية تابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي، وكان يقوم "بالتخطيط والتحضير للقيام بعمل إرهابي، بعد توقيف 19 شخصاً لارتباطهم بشكل أو بآخر بالخلية، والمطلوب الاسلامي الشيخ ابراهيم خزعل وهو قيادي في ​كتائب عبدالله عزام​، مع شخصين آخرين متوجهين الى سوريا (6 تشرين الثاني 2017)، وقد لعب خزعل دور الوسيط في التهدئة بين حركة "فتح" ومجموعة الناشط الاسلامي ​بلال بدر​ في الاشتباكات الأولى في نيسان التي اندلعت في "حي الطيرة" على خلفية إنتشار "القوة المشتركة" الفلسطينية في المنطقة، وفرار المطلوبين نعيم النعيم و​أحمد الصالح​ (21 أيلول 2017) وهؤلاء جميعا على الأرجح استخدموا هويات مزوّرة بعد تغيير مظهرهم الخارجي.

وإعتبرت مصادر فلسطينية عبر "النشرة" إنه اذا كان من الطبيعي مغادرة من دخل إلى المخيم من خارج أبنائه، فإن اللافت هو مغادرة ارهابيين مطلوبين من أبناء المخيم إلى سوريا، في وقت دلت فيه عمليّة فرار هؤلاء على مدى الضغوط السياسية والأمنية الفلسطينية التي تمارسها على المطلوبين لتسليم أنفسهم إلى السلطات اللبنانية أو الخروج من المخيم كما دخلوا إليه، وارتباطا بتساؤلات هل ضاق فعلا الطوق والخناق على المطلوبين، وبدأت قضيتهم تتجه نحو "الفكفكة" وفق تصور أعلنت عنه بعض القوى الفلسطينية وخاصة الاسلامية منها، لتحييد المخيم عن تداعيات أعمالهم التوتيرية الامنية.

واللافت وسط عمليات الفرار، زج أسماء بارزة من بين الفارين لطي صفحتهم وملفهم الأمني ومنهم ​اسامة الشهابي​، والاسلامي "المتشدد" بلال بدر وأحد مرافقيه حسن عزب، ليتبيّن عدم صحتها، خصوصا مع صعوبة معرفة أسماء الذين فروا سريعا أو حسم حصول عملية الفرار أصلا، نظرا للسرية والتداخل في مثل هذه العملية.

تسليم المطلوبين

والثاني، تسليم المطلوبين أنفسهم طوعا الى السلطات اللبنانية لإنهاء ملفهم الأمني وقد شهد خطوات متقدمة، حيث سجلت أكثر من 40 عملية تسليم في غضون أشهر قليلة ونحو 100 مطلوب خلال بدء العملية بالتفاهم مع ​الدولة اللبنانية​، أبرزهم مرافق الفنان الارهابي المعتزل فضل الشاكر المختفي في المخيم منذ أحداث عبرا (23 حزيران 2013)، وليد البلباسي الذي يعتبر "أمين سره وكاتم أسراره" ولازمه خلال ​معركة عبرا​ وصولا الى اللجوء الى المخيم، وقد بوشرت التحقيقات معه، دون ان تتضح ما اذا كانت مقدمة لايجاد مخرج للفنان شاكر نفسه الذي يرفض حتى الآن تسليم نفسه أو التخفي والفرار كما حاول أن يفعل ​أحمد الأسير​، الذي القي القبض عليه الأمن العام اللبناني في (15 اب 2015) وقد صدر بحقه حكم الإعدام في (28 ايلول 2017) وقبله الفلسطيني (أحمد.ح) من سكان حي الطوارئ عند حاجز الجيش بالمستشفى الحكومي بوساطة رجل دين فلسطيني (27 تشرين الثاني 2017) وقبله كمال ضرار بدر شقيق المطلوب الأبرز في المخيم بلال بدر (13 تشرين الثاني 2017).

وأبلغت مصادر فلسطينية "النشرة"، ان عملية تسليم هؤلاء تأتي في إطار سلسلة من المسارات المتعددة الاتجاهات لمعالجة قضية المطلوبين، والذين يسلمون انفسهم هم في الغالب من أصحاب المشكلات البسيطة وقد ساهم التعامل الإيجابي من الدولة اللبنانية مع مَن يسلّمون أنفسَهم في ارتفاع اعدادهم"، مشيرة الى "وجود تفاهم بيننا وبين الدولة اللبنانية أمنيّاً وقضائيّاً على تسهيل ما أمكن في ترتيب ملفات المطلوبين وإنهائها"، مشددة ان "الملف يسير بالطريق الصحيح، فالفلسطيني بيّن خلال الأسابيع الماضية عن وعيه ورفضه لأن يُستخدم أمنياً ضدّ الجوار اللبناني، والجميع يتعامل لبنانياً مع هذا الملف من خلال الدعم والإسناد وتقديم كلّ التسهيلات لإنهائه، ونحن نعتبر أنفسنا مع اللبنانيين شركاء في إنجاز هذا الملف".

إستدراج وإعتقال

والثالث، بين الفرار خلسة والتسليم الطوعي، إعتماد الاسلوب الأمني في الاستدراج أو الإعتقال أبرزه تسليم القوى الفلسطينية إلى الأمن العام خالد مسعد الملقب "السيد" (1 تموز 2017) توقيف "شعبة المعلومات" في الأمن العام الجندي الفار محمّد محمود عنتر (9 تشرين الثاني 2017) وقيام قوة من مخابرات الجيش باعتقال نجل أمير "داعش" الموقوف ​عماد ياسين​، يحيى ياسين في تعمير عين الحلوة (14 تشرين الثاني 2017) واستدراج أحد عناصر مجموعة بلال بدر المطلوب علي نعيم حميد الملقب "علي نجمة"، إلى الجيش اللبناني عند حاجز النبعة (27 تشرين الأول 2017).

مكافحة المخدرات

وفي القضية الثانية، فان القوى الفلسطينية الوطنية والاسلامية أعلنت الحرب على المخدرات وتجارها ومروجيها وحتى متعاطيها بعدما باتت هذه الآفة تهدد المجتمع الفلسطيني وتنذر بعواقب وخيمة، وهي لم تقتصر على مخيم بعينه، بل امتدت من "عين الحلوة"، الى "الميّة وميّة" وصولا الى "​برج البراجنة​" و"​البداوي​"، حيث وقع اكثر من إشكال واشتباك لهذه الغاية.

ووفق المصادر، فان تجار المخدرات قد جندوا مئات المروجين ومن اعمار مختلفة في معظم المناطق اللبنانية والمخيمات، وهم لا يوفرون صغيرا او كبيرا لبيعه اضافة الى محاولات واضحة لاستغلال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية داخل مجتمعات معينة، والخوف من استغلاله باعمال أمنية او إرتكاب جرائم تحت تأثير المخدرات والوضع الاجتماعي، وهذا ربما ما تضعه الأجهزة الامنية في سلم أولوياتها.

وفي الوقائع، فقد سلمت القوة المشتركة الفلسطينية في مخيم عين الحلوة وبالتنسيق مع قوات الامن الوطني الفلسطيني، المتهمين (محمد. ح) و(علي. ش) الى مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب عند حاجزه العسكري قرب مستشفى صيدا الحكومي بتهمة المخدرات، بينما باشرت القوى الفلسطينية وتحديدا حركة "فتح" و"قوات الامن الوطني" وحركة "حماس" و"​أنصار الله​" حملة اعتقالات على تجار ومروجي المخدرات في ​مخيم المية ومية​، حيث جرى توقيف عدد من المتهمين السوريين والفلسطينيين من سوريا، وتمكنت قوة فلسطينية بقيادة المقدم هاشم عمرين قائد كتيبة ​بيت المقدس​ في ​الأمن الوطني الفلسطيني​ في الشمال والرائد ابوحسن طيراويه في استخبارات الأمن الوطني الفلسطيني من مداهمة وكرا لترويج المخدرات داخل ​مخيم البداوي​، واعتقال الفلسطيني (علي .ع) واللبناني (عبد الرحمن. ر) الذي يحمل الجنسية الهولندية، وجرى ضبط كميات من حشيشة الكيف وحبوب الهلوسة حيث جرى تسليمهما الى مخابرات الجيش اللبناني في الشمال بناء على تعليمات من قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي ابوعرب ومواصلة العمل لمعرفة ان كانوا على صلة بأشخاص آخرين يعملون معهم في ترويج المخدرات داخل المخيم.

المصالحات الداخلية

وفي القضية الثالثة، لفت الانتباه المصالحات السياسية والشعبية التي تجري في الوسط الفلسطيني، وابرزها بين حركتي المكتب السياسي لحركة "حماس" في لبنان برئاسة الدكتور ​احمد عبد الهادي​ "ابو ياسر" و"الحركة الإسلامية المجاهدة" برئاسة الشيخ عبد الله الحلاق و​الشيخ جمال خطاب​، خلال لقاء عقد في قاعة مسجد "النور"، بعد فتور في العلاقات في اعقاب الاشتباكات الاخيرة التي وقعت في المخيم، اضافة الىتوحيد الموقف الاسلامي في ضرورة مواجهة "صفقة القرن" التي تسربت معلومات عنها بانها تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية والغاء حق العودة للاجئيين الفلسطينيين الى بلدهم.

كذلك المصالحة بين لجنتي "حي الطيرة" في عين الحلوة، حيث اثمرت الجهود التي بذلها قائد الامن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا العميد ابو اشرف العرموشي لتوحيد "اللجنتين اذ عقد اجتماع في مقر قيادة منطقة صيدا للامن الوطني الفلسطيني في "بستان القدس" وجرى التوافق على توحيد لجنتي حي الطيرة بلجنة واحدة، وعلى ان يتولى امانة سرها ناصر عبد الغني، وسط على تكثيف التنسيق والتواصل مع كافة الجهات المعنية من اجل الاسراع في البدء في عملية ترميم البيوت المتضررة والبنى التحية للحي المذكور.

وقد سبق ذلك، قيام مسؤول حماية التنظيم في قيادة الساحة "الفتحاوية"، مسؤول المالية في لبنان اللواء منذر حمزة برعاية لقاء وديا بما يشبه "المصالحة" بين قائد الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا العميد ​أبو أشرف العرموشي​ وقائد "القوة المشتركة" في عين الحلوة العقيد بسام السعد في سفارة دولة فلسطين في بيروت، بعد سوء التفاهم حول تسليم أحد المطلوبين في مخيم عين الحلوة (ساري.ح) والذي تطور الى إشكال.