لا يختلف اثنان على ان رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ خرج الرابح الأبرز من المعركة السياسية الأخيرة، ان كان بادارته لملف استقالة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ او باشرافه على انضاج المخرج المناسب للأزمة والّذي تجنّب تظهير اي من الفرقاء بمظهر الخاسر أو المنكسر أو حتى المُقدم على تنازلات. الا انه وبالرغم من كل الجهود التي بذلها والحكمة والتروي اللذين طبعا مواقفه وتحركاته، فهو لم يتمكّن من انهاء الجولة الأخيرة بصفر أهداف في مرماه او بانتصارات كاسحة، فهو خسر حلفاء في مسار المعركة كانوا حتى الأمس القريب شركاءه الأساسيين في الحكم، كما صوّب وبقوة باتجاه العلاقة مع المملكة العربية ​السعودية​، ما أدّى لجرح عميق قد لا يلتئم قريبا.

وحتى وان كان عون لا يتحمل مسؤولية الخسارات السابق ذكرها، واعتبار مصادر مقربة منه انّه كان في الحالتين في موقع الدفاع لا الهجوم، الا انّه سواء في العلاقة مع ​الرياض​ او مع رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​، سيكون هناك الكثير من العمل والجهود التي ستبذل لترميم ما انكسر، باعتبار انّه قد يكون من المستحيل اصلاحه تماما.

ولعل الانجاز الأكبر الذي حققه عون الى جانب تظهير موقف لبناني موحد افتقدته طويلا الساحة اللبنانية، هو انقاذ التسوية التي أتت به رئيسا للبلاد وبسعد الحريري رئيسا للحكومة، متفاديا بذلك غمار الدخول في متاهة انجاز تسوية جديدة كانت ستجر البلاد الى مرحلة من ​تصريف الأعمال​ تمتد أشهرا طويلة ومتواصلة تسبق الانتخابات النيابية وتليها.

وقد نجح عون، سواء عن قصد او عن غير قصد، بتحويل تفاهمه مع تيار "المستقبل" الى تحالف متين قد يصبح أكثر متانة مع مرور الاشهر ليتحول صلبا كما هو تحالف عون–​حزب الله​ المستمر منذ العام 2006. اذ بات من المحسوم استعداد "​التيار الوطني الحر​" وتيار "المستقبل" للبحث جديًّا بتحالفات انتخابية تطال معظم المناطق حيث يرى الطرفان مصلحة لهما بخوض المعركة على لوائح موحّدة، من دون استبعاد ان ينضم حزب الله الى بعض هذه اللوائح تحت عنوان "المصلحة الانتخابية".

وقد قدم عون خلال الأزمة الأخيرة لقيادة "التيار الوطني الحر" التي سلمها لوزير الخارجية ​جبران باسيل​، خدمة كبيرة باستنهاض القواعد العونيّة قبل أشهر من الاستحقاق النيابي، بعد ان كانت الجماهير البرتقاليّة شبه خائبة بعيد اقرار قانون الضرائب، وان كانت لم تتردد بتبريره عند كل محطة داعية للتعامل مع المشهد بكليّته وليس بجزئياته. اذ تبدو هذه الجماهير في المرحلة الحاليّة "منتشية بانتصار تردّه لرئيس الجمهورية"، ما يمهد لـ"تسونامي جديد" في أيار المقبل، في حال نجحت الحكومة بتحقيق ولو بالحدّ الأدنى من الانجازات المرتبطة بالملفات الحياتية والمعيشية للمواطن اللبناني.

وفي مقابل تنامي رصيده المحلي، فقد عون من رصيده العربي والدولي نتيجة جرعات الدعم الكبيرة التي قدّمها مؤخرا لحزب الله، وبالتحديد من رصيده الخليجي والأميركي. فمسارعته لـ"تبرير تمسّك الحزب بسلاحه كما قتاله في ​سوريا​، لم تترك الكثير من الانطباعات الايجابية لدى أخصام الحزب العرب والدوليين، الذين لا يبدو أنّهم سيرضخون بسهولة لخسارة الجولة الأخيرة.

بالمحصّلة، يبقى الانجاز الذي حققه الرئيس اللبناني بانتشال لبنان من فوهة البركان المشتعل، غير مكتمل ومعرّض لهزّات شتّى في حال تكرّر الهجوم الخارجي متّخذا عدّة أشكال، خاصة وان المخرج الذي تم التوصل اليه مؤخرا وادّى لعودة الحريري عن استقالته بدا مكررا وdeja vu. ولكن وفي كل الأحوال يحق لميشال عون اليوم التجوّل في أرجاء القصر فرحًا بالانتصار، على أن يستعدّ ربّما لجولات جديدة عساها لا تكون أكثر عنفًا!.