قبل ساعاتٍ قليلةٍ من استقالة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، التي تراجع عنها هذا الأسبوع، عقدت اللجنة الوزارية المكلّفة تطبيق ​قانون الانتخاب​ آخر اجتماعٍ لها برئاسة الحريري في السراي الحكوميّ. وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي تسرّبت عن الاجتماع يومها، فإنّ اللجنة لم تحسم البنود الإصلاحيّة التي كانت ولا تزال خلافيّة من ​البطاقة البيومترية​ إلى الاقتراع مكان السكن والتسجيل المسبق، حيث تمّ ترحيلها إلى اجتماعٍ كان يُفترض أن يعقد يوم الاثنين في السابع من تشرين الثاني.

وإذا كانت الاستقالة "الحريرية" التي فاجأت الجميع في الشكل والمضمون "نسفت" الاجتماع الحاسم المفترض، فإنّ السؤال الذي يُطرَح اليوم بعد عودة الحريري عن استقالته يتمحور حول ما إذا كانت اللجنة ستعود إلى الحياة وتواصل اجتماعاتها من حيث انتهت، وهل من جدوى لذلك أصلاً، خصوصًا في ضوء وجهة نظر تقول إنّ شهر الاستقالة "الضائع" لم ينسف اجتماعات اللجنة فحسب، بل نسفها من أساسها، باعتبار أنّ دورها انتهى مع بدء العدّ العكسي للانتخابات التي لن يقبل أحدٌ بتأجيلها، أياً كانت الذريعة...

ضغطٌ قاتلٌ...

في المبدأ، يُعتقَد أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري سيدعو ​لجنة قانون الانتخاب​ إلى الاجتماع مجدّدًا في وقتٍ قريب لمواصلة البحث في آليّات تطبيق قانون الانتخاب، التي لم ينتهِ النقاش بشأنها، والتي لا يُعتقد أنّ أيّ تغييرٍ في المواقف بشأنها قد حصل على مرّ الشهر الماضي. إلا أنّ كلّ الترجيحات تشير إلى أنّ أيّ نقاشٍ مستفيضٍ لم يعد واردًا ولا ممكناً اليوم، فقط لأنّ المواقف منها لا تزال متباينة بين مختلف الأفرقاء، والتوصّل إلى توافق بشأنها مستبعَد، بل وقبل ذلك، لأنّ ضغط الوقت لم يعد لمصلحة إقرار أيّ بندٍ.

وفي هذا السياق، يذكر الجميع أنّ وزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ كان قد تحدّث أكثر من مرّة عن مهلٍ زمنيّة لحسم البنود الخلافيّة، ولا سيما لجهة اعتماد البطاقة البيومتريّة، وكلّ هذه المهل انتهت منذ وقتٍ طويل. وبالتالي، فحتى لو توافق الجميع اليوم على ضرورة الذهاب نحو اعتماد بطاقاتٍ بيومتريّة في الانتخابات بدلاً من بطاقات الهوية، وهو نقاشٌ لم يكن قد انتهى قبل شهرٍ من الآن، فسيكون إنجازها في المهلة الفاصلة عن موعد الانتخابات مستحيلاً، علمًا أنّ وزير الداخلية كان قد حسم هذا الأمر حتى قبل استقالة رئيس الحكومة، واقترح حلاً وسطاً يقضي بتأمينها لجزءٍ من اللبنانيين فقط ممّن يودّون الاقتراع مكان السكن، ما تسبّب بسجالٍ بينه وبين وزير الخارجية ​جبران باسيل​ الذي كان يصرّ على إمكانية إنجازها، وذهب لحدّ دعوته لتبادل الوزارات بينه وبين الوزير المشنوق لاثبات قدرته على ذلك.

انطلاقاً من ذلك، فإنّ معظم القوى السياسية، بما فيها تلك التي أظهرت تشبّثاً بالاصلاحات الانتخابيّة، باتت مقتنعة بصعوبة اعتماد أيّ منها في الاستحقاق المقبل، نظراً للضغط الزمني الذي يكاد يصبح "قاتلاً" بكلّ ما للكلمة من معنى، خصوصًا أنّ أحدًا من السياسيين ليس مستعدًا للمخاطرة بموعد الانتخابات عبر الاصرار على إصلاحٍ من هنا أو هنالك، بعدما بات موعد الانتخابات بمثابة "خط أحمر" لا يجوز لأحد القفز فوقه أو تحمّل تبعات التلاعب به. وتجدر الاشارة هنا إلى أنّ اقتراح تقريب موعد الانتخابات قد سقط هو الآخر، باعتبار أنّ الموعد الأقرب لا يمكن أن يكون قبل منتصف آذار، هذا إذا صدر مرسوم دعوة ​الهيئات الناخبة​ عن وزير الداخلية قبل منتصف هذا الشهر، وهو ما لا يبدو واقعيًا ولا منطقيًا.

بانتظار الضوء الأخضر...

هكذا، عادت العجلة الانتخابية إلى "تقليديّتها"، بحيث تشير كلّ المعطيات المتوافرة إلى أنّ الانتخابات، إن جرت في موعدها، وهذا مرجّح، ستتمّ وفق الأساليب التقليديّة، بالاعتماد على بطاقة الهوية و​جواز السفر​، علمًا أنّ كلّ المعنيّين يؤكّدون في الكواليس أنّ أيّ نقاشٍ مخالفٍ لهذه القناعة قد سقط، وأنّ الإعلان عن ذلك مؤجَّلٌ حتى تنضج الظروف، وهو ما قد يتمّ من خلال اجتماعٍ يتيمٍ قد تعقده اللجنة الوزارية في الأيام المقبلة يخصّص لحسم هذه الأمور ومصارحة اللبنانيين بها.

ولعلّ الأهمية المضاعفة التي يكتسبها هذا الاجتماع تتمثل في كونه سيعطي ​وزارة الداخلية​ الضوء الأخضر لاطلاق العمل التحضيريّ للانتخابات بصفةٍ رسميّة، خصوصًا أنّ الوزارة ما تزال حتى اليوم في مرحلة ترقّب بانتظار القرارات التي ستتخذها الكتل السياسية، والتي يمكن أن تنعكس عليها، ولذلك فإنّ الإجراءات المتخذة حتى الآن اقتصرت على الجانب الشكليّ الأساسي، في وقتٍ كان لافتاً أنّ هيئة الاشراف على الانتخابات باشرت عملها وأقرّت نظامها الداخليّ قبل أيام، وقد أحاله وزير الداخلية إلى الأمانة العامة ل​مجلس الوزراء​ لعرضه قريباً على مجلس الوزراء.

وإذا كانت وزارة الداخلية تؤكد جهوزيتها اللوجستية والتقنية للتحضير للانتخابات، فإنّ ما تنتظره أيضًا، إلى جانب حسم آليات تطبيق القانون، حسم عدم تعديل القانون بشكلٍ نهائيّ. وتشير المعطيات المتوافرة في هذا الصدد إلى أنّ القوى السياسية أبلغت بضرورة البحث بأيّ تعديلٍ ولو لغويّ لأيّ بندٍ من قانون الانتخاب في مهلةٍ ضيّقة جداً، تنتهي خلال أيام قليلة، ستبدأ بعدها هيئة الاشراف على الانتخابات، بالتنسيق مع الوزارة، بحملات التثقيف الانتخابي إضافة إلى ورشات التدريب. وبالتالي فإنّ كلّ شيء يجب أن يكون محسومًا خلال أسبوعين كحدّ أقصى، لأسباب تقنية ولوجستية، لأنّ كلّ هذه الورشات ستكون مبنيّة على الصورة النهائية للقانون والانتخابات، التي لا يفترض أن تخضع لأيّ تعديلٍ بعد ذلك.

ثابتٌ وحيدٌ...

حتى الآن، يبدو أنّ هناك ثابتاً وحيدًا بشأن الانتخابات، وهو أنّها ستجري في موعدها من دون تقديمٍ أو تأخير، رغم كلّ السيناريوهات "المغرية" للقوى السياسية التي جرى تداولها في المرحلة الأخيرة، نظراً للمعوقات التقنية واللوجستية التي تحول دون تقريب الانتخابات، وتلك المبدئية الخطيرة التي تحول دون تأخيرها، مهما كانت الذريعة.

أما باقي التفاصيل المتعلقة بهذه الانتخابات، من الشكل النهائي للقانون، في ظلّ ما يُحكى عن إمكانية تعديل بعض بنوده، ولو كان ذلك مستبعَدًا، إلى آليّات تطبيقه غير القابلة للتعديل، فيفترض أن تصبح هي الأخرى ثابتة، خلال أيامٍ معدودة أيضًا، وإلا ندخل في مرحلة الخطر...