عندما كان الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ يحضّر لإعلان قراره بشأن ​القدس​-عاصمة ل​إسرائيل​، كانت وصلته تقارير تقديرية لمواقف العرب تجاه ​فلسطين​. كانت تلك التقارير تنطلق من وقائع العقود الماضية التي تُظهر فشل العرب في التماسك فعلاً لا قولاً خلف القضية المركزية لهم. محطات تاريخية كافية للدلالة على عقم الدور العربي، منذ ما قبل عام1948-يوم ارتفعت الأصوات التحذيرية لمفكرين عروبيين وسوريين ورجال دين مسيحيين ومسلمين لمواجهة المدّ الصهيوني آنذاك الذي تجلّى في عمليات توزعت بإتجاهات عدة: أولاً، شراء الصهاينة أراض من فلسطينيين وعائلات ​لبنان​ية وسورية ثريّة باعت أراضيها الشاسعة لليهود تدريجياً. ثانياً، ازدياد المؤتمرات الصهيونية التحضيرية التي رتّبت هجرات متتالية الى فلسطين بتعاون دولي وصمت عربي. ثالثاً، قدرات العصابات الصهيونية المسلحة والمدربة التي مارست التنكيل والقتل الجماعي ونجحت في تهجير الفلسطينيين بإتجاه لبنان و​سوريا​ والاردن بشكل أساسي.

كان بمقدور العرب آنذاك إفشال المشروع الاسرائيلي، فنظموا جيشاً عربياً موحّداً بعد جدل طويل استمر منذ عام 1946 حتى ساعة الهجوم في ربيع 1948. فشل جيش الانقاذ العربي، ورمى المسؤولون العرب بعضهم بالاتهامات حول التقصير أمام القدرات الاسرائيلية المتعاظمة. في نهاية المطاف فرضت اسرائيل نفسها وأجبرت العرب على الاعتراف بالهزائم تحت عنوان الهدنة. يومها دفع الفلسطينيون الهاربون الثمن وأصبحوا لاجئين في دول الشتات، وما زالوا. لكن الصامدين منهم في القدس ومناطق أخرى تحدوا القوة الاسرائيلية والترهيب والترغيب، ولا تزال الاغلبية ترفض بيع الأراضي للاسرائيليين، وتقيم دعاوى دولية على تل ابيب التي فرضت مستوطنات على ارضهم. العرب يتفرجون، ويكتفون ببيانات الإدانة والاستنكار، لكن من هو صامد في ارضه ويدافع عن وجوده، وحده من يفرض المعادلة الصعبة أمام اسرائيل.

كي تبقى القدس لأهلها المسيحيين والمسلمين، يجب أن يبقى أهلها في أرضهم، من دون رهان لا على دعم دولي، ولا عربي. البقاء في الارض وتعرية الاعتداءات الاسرائيلية هو الذي يبدّل النظرة الدولية الى القضية، فيصبح الأوروبيون الآن أكثر عطفاً وتأييدا للفلسطينيين من العرب أجمعين.

عندما يُظهر رئيس وزراء كندا موقفاً تجاه قرار ترامب أكثر شدّة من عواصم عربية تتغير المعادلة، ويعود الفضل في هذا التغيير للفلسطينيين الصامدين انفسهم، لا للعراضات العربية الهزلية.

العرب مشغولون بساحاتهم، ومعظم زعمائهم يتوددون لترامب علنا وللاسرائيليين سراً، فكيف يرفضون قرار الرئيس الأميركي؟.

ما يقوله الاسرائيليون في اعلامهم، أن ترامب نسّق مع دول عربية قبل اعلان قراره، يعني ان تل ابيب مطمئنة الى ان اعتراض العرب شكلي في بيانات وخطابات تستمر اسبوعا أو اسبوعين، بعدها يعود كل منهم الى ساحته ينازع الآخر عسكريا وطائفياً وسياسياً واقتصادياً. لكن بالمقابل، تل ابيب نفسها تخشى من انتفاضة فلسطينية وحراك شعبي متواصل لا يهدأ.

كل الخطوات الاعتراضية هدفها الحقيقي حض الفلسطينيين على الانتفاض وتحويل القرار الاميركي من هدية الى اسرائيل، الى نقمة عليها. بينما يُفترض أن يكون ترامب قدّم بقراره هدية للعرب لا لمحور المقاومة وحده. تلك الهدية تفسح في المجال أمام اعادة تصويب البوصلة، بأن هذا الصراع تلك وجهته. لكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟.