دشن الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ فتح الأبواب السورية أمام رؤساء دول ووفود رسمية لزيارة سورية بعد أن حطت طائرته في ​مطار حميميم​ ليجد في استقباله رئيس الجمهورية العربية السورية ​بشار الأسد​.

صحيح أن الزيارة كانت خاطفة لكنها اكتسبت أهمية كبرى على الصعيدين السياسي والعسكري نظراً لما تضمنته كلمة الرئيس الروسي في حميميم لأنها حملت دلالات كبيرة وفي اتجاهات عدة.

سياسياً نستطيع القول إن الرئيس الروسي كرّس التحالف الإستراتيجي مع سورية الدولة بعد أن ركز على أهمية بقاء الدولة السورية موحدة ومتماسكة والتزام ​روسيا​ مواجهة ​الإرهاب​ ومخططات التقسيم والفدرلة فيها.

أما عسكرياً، فقد شن بوتين غارة روسية أربكت الغريم الأميركي كما أنها فاجأت المراقبين، وذلك بعد إعطائه أمراً ببدء انسحاب القوات الروسية العاملة في سورية والعودة إلى قواعدها في روسيا، بيد أن الإعلان عن الانسحاب العسكري الروسي قرار يؤكد انتصار سورية عسكرياً وتجاوزها للأزمة التي استمرت لسبع سنوات عجاف في مواجهة المؤامرة الكونية والانتقال إلى المسار السياسي الناجح في ​أستانا​ والقادم المرتقب في اجتماع الحوار الوطني في سوتشي.

ولو بحثنا في دلالات قرار البدء بانسحاب القوات الروسية من سورية وخاصة بعد القمة الثلاثية الروسية الإيرانية التركية في سوتشي، لاستنتجنا أن القرار الروسي أتى بالتفاهم مع الحليف الإيراني الإستراتيجي، ما يسهم في فرش السجادة الروسية أمام قرار إيراني مماثل للبدء بسحب القوات الإيرانية العاملة في سورية، وذلك في خطوة لاحقة، الهدف منها سحب البساط من تحت أقدام الخصم الأميركي اللدود لروسيا وإيران في آن واحد.

إن ردة الفعل الأميركية على قرار بوتين بسحب القوات الروسية من سورية، جاء ملتبساً ومشككاً ومربكاً حيث قال المتحدث باسم البيت الأبيض وبلغة التشكيك إنه لا دليل لدينا على بدء الانسحاب الروسي من سورية ما يشير إلى مدى الإرباك والانزعاج الأميركي جراء قرار بوتين الذكي لأنه سحب الحجة من سبب الوجود الأميركي غير الشرعي في سورية، معطلاً مخططات أميركا الهادفة إلى إنشاء ما يسمى «جيش سورية الجديد» فضلاً عن تعطيل اللعب بالورقة الكردية.

إذا تعمقنا أكثر نرى أن قرار الانسحاب الروسي جاء بالتزامن مع حدثين مهمين: الأول إعلان العراق عن الانتصار الكبير على داعش وسيطرته على كامل التراب العراقي وعلى مناطق الحدود مع سورية ما يفسح المجال لتعبيد طريق أمام محور المقاومة الممتد من إيران والعراق مروراً بسورية وصولا إلى لبنان وفلسطين.

الحدث الثاني هو إعلان الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ عن قراره بالاعتراف ب​مدينة القدس​ عاصمة للكيان الصهيوني ضارباً عرض الحائط بكل القرارات الدولية والأممية رقم 181-194-242-338 وناسفاً كل المبادرات العربية والدولية لحل الصراع العربي ال​إسرائيل​ي طبقاً لمقررات الشرعية الدولية، في خطوة استفزازية غير آبه بمشاعر الشعب العربي نظراً لما تمثله مدينة القدس عند مكونات منطقتنا العربية، ما يمكن أن يتسبب بانفجار عسكري متدحرج بين محور المقاومة المنتصر في كل من سورية والعراق وبين إسرائيل، جراء مثل هذا القرار الأميركي الذي جاء بالتوافق والتنسيق مع بعض الأنظمة العربية المتواطئة مع أميركا وإسرائيل مثل السعودية وقطر والإمارات، بعد أن خسروا كل أوراقهم في سورية، هذا إضافة إلى النظام المصري وحتى السلطة الفلسطينية نفسها، وذلك تحت مسمى صفقة العصر التي تتضمن تصفية ​القضية الفلسطينية​ برمتها.

لجوء الإدارة الأميركية بتسليط الضوء على تهديدات مزعومة من الصواريخ الإيرانية ليس سوى لعبة مكشوفة بغرض صرف الأنظار عن مفاعيل القرار الأميركي بشأن القدس.

ونظراً لمخاطر لقرار الأميركي الذي وضع المنطقة على حافة الانفجار المرتقب مع العدو الإسرائيلي فإن قرار الرئيس الروسي بالبدء بانسحاب القوات الروسية من سورية جاء للقول إن روسيا غير راغبة أو غير معنية بالصراع العربي الإسرائيلي إنما روسيا معنية بالحرب على الإرهاب وبالحفاظ على الدولة السورية ومنع إسقاطها.

صحيح أن التحركات العربية المنددة بالقرار الأميركي، لم ترق إلى مستوى الحدث المقدسي، بيد أن خطاب الأمين العام ل​حزب الله​ حسن نصر اللـه التاريخي رسم خريطة الطريق لمواجهة القرار الأميركي.

ومما قاله نصر اللـه بحرفيته: إنني هنا لا أتحدث باسم حزب اللـه فقط إنني أتحدث باسم محور المقاومة، داعياً الشعب الفلسطيني والعربي للانتفاض بمعزل عن الحكام العرب الراغبين في مواصلة الحوار مع العدو الإسرائيلي، مستعيناً بشعار «على القدس رايحين شهداء بالملايين» في لفتة لاستنهاض ما تبقى من إرث أبو عمار مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية.

مما لا شك فيه أن قرار الرئيس الأميركي باعتماده القدس عاصمة للكيان الصهيوني جاء ليشطب انتصارات محور المقاومة وسورية المتراكمة على مدى سبع سنوات لتذهب أدراج الرياح وبشحطة قلم تمثلت بوضع توقيع ترامب على القرار، وهذا ما أحدث خللاً في التوازن السياسي والعسكري في المنطقة لمصلحة العدو الإسرائيلي ليشتد أوار الصراع العربي الإسرائيلي من جديد ويعيده إلى الواجهة مرة أخرى.

إن الحفاظ على إنجازات محور المقاومة وانتصار سورية واستثماره في مواجهة القرار الأميركي وإعادة التوازن للمنطقة خصوصاً بعد سقوط ورقة التوت عن معظم الأنظمة العربية المتآمرة، لن يكون إلا من خلال صدام عسكري مع العدو الإسرائيلي الذي بات واقعاً لا محالة، والبناء على نتائج المعركة لأنها ستفرض الانهيار المحتم للأنظمة العربية المتآمرة، ما يمكّن محور المقاومة من استعادة زمام المبادرة في إدارة الصراع مع العدو الإسرائيلي وتحديد مصير فلسطين والقدس والمنطقة ومصير أجيالنا القادمة.