في مقالٍ سابقٍ لنا عبر "​النشرة​" تاريخ 9-تشرين أول-2017، بعنوان: ​التيار الوطني الحر​ حضر عندما غاب الجميع، تمنينا فيه أن يستكمل التيار افتتاح مكتبه في ​جبل محسن​ بعد تزايد أعداد المنتسبين إليه...

حتى جاء اليوم وصدق بوعده الأولي وسط حشود غفيرةٍ من العلويين الذين تقاطرت لاستقباله من مختلف قرى عكار ومن جبل محسن بفرحة عامرة وقلوب منشرحة... كيف لا وعاداتهم توجب إقراء الضيف وإكرامه، لا كما فعل القابع في ​المجلس العلوي​ عندما رفض استقبال وزير العروبة والمقاومة في مجلسه، كأنه خُيِّلَ لهذا العصفور أن مكتبه هو قفصه لا يتسع لغيره...

ومن المؤكد كان لنا جميعاً نحن العلويين قبل أن يخرج صوت عصفور وجوقته النشاذ أنه من الممكن أن تجد مسيحياً أو سنيا أو شيعياً أو درزياً لا يحب أو يقف ضد تيار رئيس الجمهورية إلاَّ العلويين فلن تجد أحداً، لأنه يمثل صوتهم العميق سياسياً، حتى خرج علينا هذا العصفور الذي آن الأوان أن تستفيق ​الطائفة العلوية​ بكل فئاتها وشرائحها وأن تتخذ قراراً جريئاً بالمطالبة بعزله، لأنه مصدر قلقٍ لهم: يخذلهم دوماً ويقف عثرة كبيرة في طريق دخولهم إلى الكيان ال​لبنان​ي.

كما أنه ليس غريباً على وزيرٍ من قامة وزير الخارجيّة ​جبران باسيل​ أن يقف مع المقهورين في وطنه لبنان، ويضمد جراحهم، ويزرع الأمل في نفوسهم.

كانت كلماته من ذهب وحروفه مشعة من نور.

أثلج صدرورنا بخطابه الأخوي ، وابتسامته الصادقة، التي راحت تحاكي مشاعرنا المسرورة بحضوره.

صار عمري 40 سنة تقريباً، ولم أشاهد حسب وعيي وزيراً بحجم باسيل يزرونا في جبل محسن معلناً: أن ما يصيبنا يصيبه.

راحت نظراته السعيدة بنا تجذبنا جميعاً إلى متابعة شفاهه وهي تنطق بحقوق العلويين ورعايتها فنبادله بالتصفيق الحار مع صيحات الدعاء له بطول العمر.

مشائخٌ كثيرون، وضباط متقاعدون، وكل شخصيات الطائفة المعتبرة: بدءاً من سفيرنا العزيز الوحيد، ومحافظنا البشير، والعضو الجديد في المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وأغلب رجال الأعمال في الطائفة ورؤساء جميعات ومثقفون ومؤيدون وحياديون أتوا بلهفة لاستقبال وزير خارجيتنا مع المنتسبين إلى تياره، ولم يقف عصفور على خاطرهم.

بل راح هو وجوقته الموسيقية التي تذكره بموهبته التي شبّ عليها، يشيّعون بين الناس وفي الإعلام أضاليلهم، محرضين ومحرفين حتى صدّقتهم الكثير من وسائل الإعلام التي للأسف كانت ضحية تزييفهم للواقع وللحقائق. وصرنا غرباء عن جبلنا: فتارة نحن من الميناء، وأخرى أن الوزير الضيف كان ثقيلاً علينا، وأسخفها على الاطلاق أنه تم انسحاب 564 من التيار.

كلها أضاليل كنا نسمع بها ونبقى في حيرةٍ منها حتى وقعنا بها ورأيناها فصدقنا أن هناك تضليل إعلامي.

نعم، هناك حزب في جبل محسن قديم لا يستطيع أحد أن ينكر وجوده، ولكن في المقابل توجد شخصيات لها ثقلها وتعمل على إيجاد بصمةٍ لها ضمن نسيجها المحلي والطرابلسي، وهذا أيضاً لا أحد يُنكره إلا كل متعامٍ عن الحقيقةِ فقد جَدَّتْ بعد الأمورِ أمور، ولم يعد هناك حزب أو شخص يختزل تمثيل الطائفة ولا يدعي ذلك إلاَّ كل مكابرٍ صراحةً.

وإن اللجوء إلى أُسلوبٍ سخيفٍ وتافهٍ للإيقاع بالعلويين بإدخالهم بالخلاف الحاصل بين تيارين: إما الوطني الحر وإما المردة، فهو مبتذل ورخيص ويعكس سطحية من أطلقه ظناً منه أنه يحرج من ينتسب إلى التيار الحر ليخرجه منه. فمن أراد أن ينتسب للحر فله ذلك، ومن أراد المردة فله أيضاً ذلك، ومن أراد غيرهما فله أيضا وأيضاً ذلك ف​الدستور اللبناني​ يكفل للجميع حرية العمل السياسي.

ولكن كلّي ثقة لو أن المردة افتتح مكتباً له في جبل محسن لقيل عنه ما يقال اليوم عن الوطني الحر.

إن اللعب على المتناقضات لا تودي بنا إلاَّ إلى الخراب. يجب أن نكون دعاة حبٍّ وتلاقٍ بين جميعِ اللبنانيين، لا تحريضهم على بعضٍ كما أطلَّ علينا بعد غيابٍ من نحفظ لساننا عن ذكره.

وهنا نسأل عُصفور ومشغلّيه: لماذا استقبلتم وزير القوات المحترم نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة العامة ​غسان حاصباني​ بكل حفاوةٍ بجبل محسن؟ وتستنكرون علينا استقبال وزيرٍ يمثل نبض العلويين؟ فألف أهلاً بجبران باسيل، ويا مرحبا بمن يأتِ من ​تيار المردة​. أبواب جبل محسن مشرعة لكل صديق مخلصٍ ووطني شريفٍ.