غادر صديقي الديبلوماسي الغربي لبنان بعدما نقلته إدارته ترفيعاً، الى بلد في ​الشرق الأقصى​ ليكون سفيراً معتمداً لديه. جمعتنا مناسبة عائلية وداعية في القرية الوادعة عشية سفره. وقد بدا عليه الأسف لأنه يترك بلداً أحبه كثيراً ونسج فيه شبكة علاقات صداقة وإنسانية وإجتماعية كبيرة. وأعرب عن إعتقاده بأنه لن يلقى (وقد أصبح سفيراً) في أي بلد آخر ما لاقاه هنا من طيب المعشر وكرم الوفادة (...).

خلال الحوار تحدث عن إنطباعاته عن لبنان... قال: إنه يترك بلدنا وفي قلبه غصّة مزدوجة. الأولى لأنه تعلّق كثيراً بهذا الوطن والثانية لأنه من شدة تعلقه به هو قلق عليه لشدّة ما «يتفنن» المعنيون في «إبتكار» الأزمات.

طوال ساعات تحدّث من دون توقف عن الإنسان اللبناني الطيّب، وعن الوطن اللبناني الجميل، وعن التقاليد اللبنانية التي تنم عن الشجاعة والفروسية والأخلاق، وعن الطبيعة الخلاّبة خارقة الجمال (...)، وفي الدقائق الأخيرة من حديثه قال: يحيّرني، مع تلك المزايا كلها، كيف أنكم بارعون في تجاهل كلّ ما حباكم به اللّه من إيجابيات لتغرقوا في سلبيات عقيمة... واستدرك بسرعة لافتة: لا... ليست عقيمة، لأنها تنتج «أزمات تتناسل أزمات» كما يطيب لك أن تكتب (وأشار إليّ).

وأضاف: أخطر ما في أزماتكم أنكم لا تجدون لها حلولاً. وحتى لو بدا بصيص أمل لحل ما فإنكم سرعان ما «تعقدونها».

فبأي براعة، وبأي سحر ساحر تبحثون عمّا ينتج الأزمة فتجدونه بسرعة، أما تفتيشكم عمّا ينتج حلاً «فيستمر دهراً» وقلّما تجدونه.

ومضى يقول: صبيحة أي إجتماع ل​مجلس الوزراء​ عندكم تردني ملخّصات عن عناوين الصحف ومضمونها، فأقرأ مانشيتات لافتة من نوع: كرة النار في مجلس الوزراء... وأزمة (كذا وكذا) تهدّد الحكومة بالإنفجار. مجلس الوزراء أمام استحالة الحل أو أمام الجدار الموصد. اليوم سيفجرها وزراء (هذا التكتل أو هذا الحزب أو هذه الحركة (...). النأي بالنفس في إنتكاسة (...) وخلص في هذه النقطة متسائلاً: يا جماعة كنت طوال ثلاث سنوات من وجودي عندكم أتوق لأن أقرأ «مانشيت» إيجابياً... وحتى إذا توافقتم على موقف أو قرار أو مشروع أو قضية وجدتم أسباباً عدة أو مسامير جحا عدة لكي يسقط التوافق! فعلاً إنكم لبارعون.

طال حديث الديبلوماسي الذي صار سفيراً، ليختمه قائلاً: حتى هذا بات مقبولاً في شكل أو في آخر، ولكن ما لا يقبله عقل أن تكونوا عاجزين عن إيجاد حلّ ل​أزمة النفايات​ التي أريد أن أصفها بأنها أزمة مفتعلة من دون أن أسمح لنفسي بأن أتدخل في شؤونكم... لذلك أنا سأشتاق لكل لبناني عرفته، ولكل ذرة تراب من أراض لبنانية زرتها، شيء واحد لن أشتاق إليه بالطبع هو نفاياتكم! فاعذروني.