من شمال ​لبنان​ ومنذ 189 سنة ولد يوسف مخلوف في قرية بقاعكفرا، وفي عمر 23 سنة ترك الكون خلفه ليمشي على خطى المسيح فأضحى سكرانًا بمحبّة الله. أخلى ذاته من اسمه في امّحاء كامل ليصبح اسمه شربل مع دخوله الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، غمر الربّ بمحبته فأصبح في قلب الله الّذي أمطر عليه بِنَعَمٍ فاقت كل وصف وأصبح شفيع البشر في السماء. عجائب ​القديس شربل​ تخطّت الزمان والمكان وحتى الطائفة، وأصبح دير ​مار مارون​-عنايا محجّاً دينياً لكل المؤمنين في العالم، وببركة هذا القديس ازدهرت المنطقة روحيًّا وانتعشت اجتماعيًّا واقتصادياً...

في العام 1820 بدأت الرهبنة المارونية بشراء الاراضي من الأخوة ​الشيعة​ في منطقة عنّايا، واختار الاب اغناطيوس بليبل تسمية الدير على اسم مار مارون ليعطي الطابع الماروني له في عنايا وللارجاء. هكذا يروي المسؤول عن سجل العجائب في ​دير مار مارون عنايا​ الأب ​لويس مطر​ تاريخ انشاء الدير وتثبيت ​الموارنة​ في المنطقة، لافتاً الى أنه "عبر التاريخ قام الدير بإفرازات وأنشأ بلدة عنايا وكفربعال ليكون هناك حشد ماروني حول الدير".

مختار بلدة عنايا نسيب عبود يعود بالذاكرة الى العام 1964 حين بدأ رهبان مار مارون يبيعون الأرض التي في المنطقة الى شركاء للدير لتشييد المنازل، مشيرا الى أنه "في العام 1970 انطلقت عنايا بالازدهار فعلياً بعد انتشار اسم القديس شربل مثل النار في الهشيم، الأمر الّذي ساهم بترسيخ الوجود الماروني روحيا واجتماعيًّا في المنطقة، وفتحت المطاعم وازدهرت الحركة الاقتصادية والسياحية".

"قديماً كانت عنايا تسمى بيت عنيا بحسب الحجج القديمة وتعني جو الساهرين المصلّين ومع الوقت أصبحت تسمى عنايا". هذا ما يؤكده الأب مطر، لافتاً الى أن "هذه البلدة انتعشت بفضل القديس شربل الّذي اكتشف أن لا خلاص الا بالربّ، والشخص الذي وصل الى هذه الدرجة من الشفاعة أصبح محجاً لكل العالم". أما المختار نسيب عبود فيشير الى أن "القديس شربل أرسى جوّا ايمانيا في المنطقة، لأن الطابع الماروني كان موجودا سابقاً".

على لوائح شطب بلدة عنايا يوجد خمسمئة شخص الأمر الّذي لا يسمح بأن يكون لها بلدية منفردة، إلا أن عنايا أصبحت حالة استثنائية والفضل يعود للقديس شربل. ففي العام 1994 وبحسب رئيس البلدية بطرس عبود "تأسست البلدية بسعي من الرهبنة المارونية اللبنانية ليكون هناك بجوار الدير مؤسسة رسمية تهتم بشؤون البلدة وتُعنى المزار"، مشيراً الى فضل كبير في هذا الامر للقديس شربل". بدوره يلفت الاب لويس مطر الى أنه " في عنايا وحدها اصبح هناك 35 مطعما او "سناك" أو أوتيل، اذ يقصد المؤمنون القديس شربل للراحة النفسيّة والجسديّة طالبين شفاعته لحلّ مشاكلهم وهو لا يقصّر أبدًا معهم"، شارحاً أن "دير مار مارون عنايا قام بالمشاريع الاقتصادية لتثبيت أهالي المنطقة في أرضهم للحؤول دون هجرتهم والعمل في بلدات أخرى بعيدة".

دير مار مارون عنّايا المزار العالمي المقصود من جميع البلدان يستقبل المؤمنين للصلاة والتبرّك ويعمل مع الزوّار بشكل متواصل لتنشيط الحياة الروحية، من خلال القداديس والاضاءة على حياة مار شربل الّذي عاش حياته بالتأمّل والصلاة دون الالنفات الى الخلف، فهو استحبس واضعًا نُصب عينيه خلاص نفسه، ليصبح مثالا يُحتذى به، وهو إن استرسل بحبه لله مطلقًا لنفسه العنان بأنشودة الحياة التأمليّة المسيحيّة، لم يكن يعلم حتمًا ان ما يقوم به سيجذب الناس الى محبّة ​يسوع المسيح​ ورحمته الفائقة من خلال شفاعته، وسيجعل من هذه المنطقة المنسيّة معلمًا روحيًا وصرحًا ضخمًا أكبر من لبنان، فتنتعش اقتصاديا قرية عنايا والقرى المجاورة والبعيدة، وتنعكس مفاعيل محبّة شربل اللامتناهية كرمًا لا مثيل له.

من معمل لصناعة "المونة" من مربيات وأجبان وألبان وزيوت ونبيذ وعرق وعسل وفرن ومنشرة، مؤسسات تابعة لدير مار مارون عنايا، حيث فيها بين 400 الى 600 موظف حسب المواسم صيفا وشتاء، يروي الاب مطر، الذي يشير الى أننا "نقوم بتلك المشاريع لنوظف اليد العاملة ولتعيش الناس في هذه المنطقة بكراماتها". أما زياد سعد المسؤول عن المعمل فيروي كيفية انشائه التي كانت لمساعدة سكان القرى المجاورة على بيع منتوجاتهم من المونة، الّتي تطورّت لتوظف هولاء براتب ثابت ومضمون لترسيخ حضورهم الاجتماعي بدل تحمّل عناء وأعباء التصنيع اليدوي".

يقصد عنايا سنوياً الحجّاج من كل أصقاع العالم حاملين مآسيهم وأوجاعهم لطلب شفاعة القدّيس شربل الّذي لم يهدأ في حياته ولم يستكين اطلاقًا بعد وفاته، فهو يريح المتعبين السائلين ويشفي القلوب الجريحة المتألّمة. على غرار ​القديس يوسف​ الصامت هكذا أصبح يوسف مخلوف القدّيس شربل، وهو الّذي لم يكتب يومًا حرفًا أبدا، فحفر الربّ اسمه في التاريخ قدّيسًا مجّده في السماء وفتح ممرًّا اليها من هذه الأرض من السهل عبوره بالصلوات وطلب شفاعة شربل.

في الخلاصة لا بدّة من الاشارة الى أن هذا القدّيس له الفضل الكبير على عنايا الّتي اصبحت على كل شفة ولسان في العالم، وبات يقصدها الملايين للتبرّك محمّلين بالزاد والبركات من مذبح الربّ الغافر، المليء دائمًا بموفور الخيرات والنعم الروحيّة اضافة الى انعكاسه ازدهاراً عمرانيا واقتصاديا على المنطقة.