على عكس ما يحاول بعض الممتعضين تسويقه وترويجه تضليلاً إعلامياً، وتلفيقاً إخبارياً، وتهديداً معنوياً وجسدياً: جاءت زيارة وزير الخارجيّة ​جبران باسيل​ إلى ​جبل محسن​ لتفتح نافذة كبيرةً، وتشق طريقاً عريضاً، نحو عبور العلويين للإنخراط الحقيقي في الحياة السياسية والحزبية ال​لبنان​ية...

وبدلاً من استثمار الزيارة لإحراج التيار المتحمس لدخول المنطقة من كيسه كما يُقال، بتحميله هموماً ومطالباً تلزمه في هذه اللحظات المتفاعلة إعلامياً وسياسياً، كانت ردة الفعل من بعضهم لا تنمُّ إلاَّ عن أنانية شخصانيةٍ مفرطة، ونرجسية فاقعةٍ، فلا حياة للعلويين إلا من خلالهم ومن خلالهم فقط، حتى ولو كانوا خارج الحدود، والله أعلم بعودتهم...

ومن يحتجُّ: فآلافُ الأسماء الوهمية بالمرصاد جاهزة لتهديد وترويع وتشويه صورة المُرحّبين بالزيارة والمعارضين للمعترضين: من لبنان وربما من كندا أيضاً.

ولم يكن الوزير باسيل بحاجةٍ لمن يحرجه، فقد زايد علينا بحقوقنا، حتى أنا شخصياً لم أكن أتوقع أن يرفع من سقف حقوقنا التي وعدنا بالعمل سوياً للسير في تحصيلها، بعد أن قال أمامنا: "التيار مسؤول عن استرجاع الحقوق المهدورة لكل لبناني"... ولكن، تبقى العبرة في التنفيذ.

وقبل الزيارة، وبعد الخطة الأمنية في طرابلس (نيسان 2014) ابتدأت في جبل محسن الجمعيات بالتكاثر التدريجي والتنافس المحلي حتى فاقت الـ(50) جمعية حتى الآن، مع وجود ما يصل إلى (10) مرشحين علويين للنيابة حاليين، مع فشلٍ ذريع للحزب العربي ومن وراءه المجلس العلوي في الانتخابات الاختيارية والبلدية(2016) (تصوروا أنَّ المختار العلوي الوحيد نجح فقط بـِ2591 صوتاً وكان وما زال ضد الاثنين وأول الراسبين فقط بـ33 صوتاً وهو ضد الاثنين أيضاً).

هذه المكونات الجديدة الكثيرة، مِنْ جمعيات وشخصيات تعارض في أغلبها الحزب والمجلس، ما هي إلاَّ حركةُ احتجاجٍ على الوضع الذي كان سائداً، وشعورٌ بالانعتاق والانطلاق صوب الفضاء اللبناني الواسع.

هذه الشخصيات المعارضة كانت في معظمها الغالب في استقبال معالي الوزير باسيل.

وعلى أية حالٍ، كانت هذه الخطوة الجريئة من التيار بالطبع مستفزّة بكل أبعادها الداخلية والخارجية:

-داخلياً فقد استفزت مشاعر العلويين فرحا وترحيباً كبيراً، وامتعاضاً تهويلياً من بعضهم.

-خارجياً استفزت الكثير ممن كان يظن أن هذه المنطقة إمَّا أنها في جيبهم الصغيرةِ، أو أنه لا يستطيع أن يدخل إليها، وبعضهم تحسّس ندماً لفوات فرصته قبل أشهر من الانتخابات.

جاءت الزيارة إذا لتصبح هذه المنطقة المحرومة تحت عين العهد مباشرة، وبرعاية حنونةٍ من قائد البلاد. وما تشجيعي لهذا التيار إلاَّ لأنه يمتلك سببين رئيسيين:

1-يشترك مع العلويين في المبادئ السياسية العامة بالتحالفات والتطلعاتِ والوعود التي يُلزمُ بها نفسه علناً وتكراراً.

2-يحترم عقيدة العلويين وخصوصيتهم، فلا خوف على الحالة الدينية منهم. خلافاً لما قد يتسبب به الانتماء إلى بعض التيارات ذي التوجهات الدينية من قلاقل واضطرابات.

عَرِفَ التيار بقراءته للواقع أنَّ أبواب جبل محسنٍ مشرعةً أمامه، وليس صعباً عليه التواجد بين العلويين بقليلٍ من الارادةِ التي يمتلكها على مستوى الوطن، وكثير من الامكانيات التي بحوزته في الادارات والوزارات، وما عليه سوى العمل لتأمين بعض الحاجات التي نأمل منه الاسراع بتنفيذها.

وحصلتِ الزيارة وافْتُتحَ المكتب إذاً، وابتدأ مشوار الهموم الملقاة على عاتق هذا التيار الذي أصبح مُراقَباً بدقةٍ ومتابعاً لاصطيادهِ عند أبسطِ هفوةٍ.

ممنوعٌ عليه الفشل في جبل محسن. وممنوع عليه التلكؤ والتباطؤ في الانطلاق بمسيرة تلبية حاجات العلويين تدريجياً. وإلاّ لكان من الأفضل لنا وله عدم الافتتاح مطلقاً، لأن آمالاً كثيرةً معقودةً عليه، وويلاتٍ ونكباتٍ ستلحقنا إذا فشل (لا سمح الله)، لأنها ستقسم الشارع العلوي كما قسّمته إلى قسمين: نادمٍ وشامتٍ.

وبالرغم من تشجيعي لهم، إلاَّ أنني سأكون أول من يقف ضدهم إذا لم يكونوا على قدر المستوى المرجو منهم.

وعلى العلويين مهمّة اقتناص الفرص، والتعامل بإيجابية وذكاء مع التطورات المتلاحقة في المجتمع العلوي اللبناني، خصوصاً ونحن على أبواب الإنتخابات. وبالحكمة القائلة: مَنْ جرَّب المُجرب..، إلى قول أمير المؤمنين(ع) في الفتنة: لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، وَلاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ؛ علينا التعامل مع الأحداث والمستجدات.

والسؤال الذي أطرحه على الجميع: هل كان يوجد غير التيار الوطني الحرّ لاستمالة العلويين مع المحافظة على خصوصيتهم؟. وإذا كان يوجد، فلماذا تأخر منتظراً قدوم التيار حتى يلتفت إلى قيمة هذه المنطقة؟. وحسب تصوري، قد نشهد في الأسابيع المقبلة حركة لتيارٍ جديدٍ في المنطقة يجب عندها استثمار التنافس الذي سينشأ تلقائياً، والنظر إلى الموضوع بإيجابية.

وعلى ​الدولة اللبنانية​ واجب حماية التعدديّة والتنوع ضمن الطائفة العلويّة في لبنان، ومحاسبة كل من يحاول ترويع الناس وتهديدهم معنوياً أو جسدياً.

يقالُ: مَنْ سَبَقَ شَمَّ الحَبَق... ولكن نقول: أنْ تأتيَ متأخراً أفضل لك...

فالطريق ما تزال سالكة ومفتوحة لكل حليف وصديق نتقاطع معهما بالمبدأين اللذين ذكرتُهما آنفاً.

وكل عامٍ وأنتم بألف خير، حمى الله جبل محسن وحمى الله لبنان