لم يكن متوقعا ما جاء على لسان رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ من بكركي بعد قدّاس الميلاد فيما يتعلق بالمرسوم "الشهير" المتعلق بإعطاء سنة اقدمية لضباط الجيش لدورة 1994، فالرئيس فاجأ المتابعين بتصعيد الموقف عندما توجه للمعترضين على المرسوم بالقول: "هذه قضية محقّة بالجوهر وبالاساس والمرسوم يوقعه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة واذا هناك أحد معترض فليذهب الى القضاء وسأفرح اذا كسر القضاء لي قراري"، ولم يكن متوقعا أيضا أن يرد رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ بالقول: "الضعيف هو من يذهب الى القضاء". فماذا في القانون وماذا عن السياسة؟

ماذا في القانون؟

ينقسم الخلاف حول هذا المرسوم الى محورين، الأول يتعلق ب​الدستور​ والقانون والثاني يتعلق بوحدة الجيش ال​لبنان​ي. بالنسبة الى الشق الأول فإنه من المتفق عليه بين مختلف القوى السياسية من الناحية القانونية، فإن المراسيم العادية يفترض أن تذيّل بتوقيع كل من رئيسي الجمهورية والحكومة، ولكن بناء على اقتراح الوزير المختص وبعد توقيعه، أما في حال اتخاذ قرار بالمرسوم داخل ​مجلس الوزراء​، بالاجماع، فعندها يكتفى بتوقيعي رئيسي الجمهورية والحكومة، وبأنه في حال وجود اعباء مالية على أي مرسوم يصبح وزير المال هو الوزير المعني وبالتالي يصبح توقيعه إلزاميا. وهذا الأمر أكدّت عليه المادة 28 من مرسوم تنظيم اعمال مجلس الوزراء حامل الرقم 2552 تاريخ 1992 حيث قالت: "ان قرارات مجلس الوزراء ملزمة لجميع اعضاء الحكومة وفقا لمبدأ التضامن الوزاري، وعلى الوزير المختص تبعا لذلك الالتزام بتوقيع مشاريع المراسيم تنفيذا لهذه القرارات".

اذا فإن الخلاف ليس على المبدأ القانوني، بل حول ما اذا كان للمرسوم تبعات مالية أم لا. وفي هذا الإطار تشدد المصادر على أن للمرسوم أعباء مالية تتمثل في الأساس على المدى القريب بزيادة مستحقات الضباط الذين سينالون الترقية بوقتٍ قريب، وعلى المدى البعيد لناحية التعويضات التي ستترتب لهم بنهاية خدمتهم، مشيرة الى أن هذه الأعباء المالية قد لا تكون الوحيدة، حيث أن ازدياد اعداد العمداء في الجيش سيجعل الدولة في وضع يلزمها بتخفيض أعدادهم عبر تقديم الحوافز الماليّة الضخمة لدفع بعضهم لطلب "التسريح المبكر"، مشددة على ان هذا الأمر حصل سابقا وقد يتكرر مستقبلا.

وتلفت المصادر النظر الى أن "التاريخ" لا يقدّم الحل لأزمة المرسوم، اذ يحمل حالات مشابهة تضمنت توقيع وزير المال وأخرى لم تتضمنها، وهذا ما استند اليه الفريق المنادي بعدم ضرورة وجود توقيع وزير المالية.

أما فيما يتعلق بالشق الثاني، أي تأثير المرسوم على تماسك مؤسسة ​الجيش اللبناني​، فتجدر الإشارة الى أن التأثير ليس مفترضا بل أصبح واقعا، وقد علمت "​النشرة​" أن عددا من ضباط الجيش اللبناني يستعدّون لتقديم الاعتراضات على المرسوم أمام ​مجلس شورى الدولة​ فور صدروه بالجريدة الرسمية، بصفهتم متضررين من منح زملاء لهم أقدميّة السنة، وان المعترضين لن يقتصروا على ضباط الجيش اللبناني بل ستتسع دائرتهم لتشمل أجهزة أمنية أخرى، وبالتحديد ضباط دورة عام 2000 في قوى الأمن الداخلي الذين يحملون بأيديهم قرارا قضائيا صدر عن مجلس شورى الدولة عام 2006 يعطيهم الحق بنيل "رتبة ملازم مع سنتين أقدمية، منذ دخولهم المدرسة الحربية".

ماذا في السياسة؟

إن البحث في الأسباب السياسية لأزمة "المرسوم" يتعدى مسألة "الدستور" و"وحدة الجيش"، فمن يتابع السياسة في لبنان يعلم بأن أي موقف يسبق الانتخابات النيابية بفترة 6 أشهر على الأقل لابد وأن يكون متعلقا بها. من هنا ترى مصادر سياسيّة مطلعة إن إثارة الرئيس عون لهذا الملف في هذا التوقيت بالذات له أسباب انتخابية أبرزها رفع سقف التفاوض مع رئيس المجلس، مشيرة الى أن بري يتعاطى مع الأمر بشقيه "الدستوري" و"السياسي" وهو لن يكون متلقيا وحسب. وتضيف المصادر: "شدد بري على المقربين منه بضرورة عدم التعليق، فالرد يكون على لسانه وهو ما يفسر جملته البسيطة والمعبّرة بالرد"، مشددة على أن المناخ السياسي في لبنان دخل مرحلة الانتخابات والتحالفات والأسماء، خصوصا وأن الأيام التي تفصلنا عن انتهاء مهلة تقديم الترشيحات لا تزيد عن 56 يوما فقط.

اذا، تلاقى تصعيد الرئيس عون بتصعيد مماثل من المعترضين عليه، فاللعبة السياسية انطلقت بعد هدنة حلّ ازمة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، الذي بدوره لم يتخذ حتى اللحظة موقفا واضحا، مع العلم انه قد يكون أبرز المتضرّرين من اتّساع الهوّة بين رئيسي الجمهورية و​المجلس النيابي​.