يستمر ​لبنان​، وللمرة الاولى ربما، في الخطوات التي اتخذها منذ "القصة الغامضة" التي تعرض لها رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ ولم تنته فصولها بعد. وادى وقوف لبنان في وجه ​السعودية​، والتزام دول شقيقة وصديقة جانبه، الى تعزيز ثقته والوقوف في وجه ما اسماه البعض "شروط" سعودية وصلت الى بيروت من اجل عودة العلاقة الى طبيعتها.

لكن مؤشرات عدة توحي بأن الكباش السعودي-اللبناني متواصل بالتزامن مع كباش سعودي-​ايران​ي في المنطقة ككل، وهو لن ينتهي قبل العام المقبل. اما تحديد العام المقبل فليس من باب "التبصير" (الذي لا نحبذه ولا نشجعه)، انما من باب متابعة التطورات في المنطقة.

ومن بين المؤشرات الاساسية التي تبرز، عدم اصطلاح العلاقة بين الحريري والسعودية، فمن المستغرب فعلاً الا يقوم الحريري بزيارة الى السعودية منذ عودته منها بعد "الاقامة الجبرية" التي تعرض لها والتدخلات الدولية التي ادت الى الرجوع الى لبنان وتراجعه عن الاستقالة، وهذا يعني ان العلاقة لم تعد الى مجراها بعد، وبالتالي يمكن القول ان الرياض لا تزال غير راضية عن طريقة تعاطي الحريري و​الحكومة اللبنانية​ مع الاوضاع، وانها ترى الاحداث بمنظار مغاير تماماً.

قضية اخرى تفرض نفسها كمؤشر واضح على العلاقة غير المنتظمة بين البلدين، وهي المتعلقة بتعيين السفراء، فقد وصل السفير السعودي المعيّن الى لبنان وليد اليعقوب وكان له استقبال حافل من قبل سفراء عرب في المطار، لكنه لم يحظ بعد بموعد لتقديم اوراق اعتماده الى رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، في خطوة تردها المصادر اللبنانية الى "حفظ الكرامة" طالما ان السعودية لم تعط جواباً رسميا على تعيين السفير فوزي كبّارة في الرياض، وبالتالي لن يسمح لبنان بتمتع السفير السعودي بصفة رسمية قبل ان تتوضح المسألة.

اما المؤشر الثالث في مقياس توتر العلاقة بين بيروت والرياض، فمركزه ​اليمن​ حيث لا تزال السعودية مقتنعة ان ​حزب الله​ هو المسؤول الميداني عما يحصل هناك وعن تهديد ​الحوثيين​ لها، رغم تأكيدات دبلوماسية غربية ان ايران هي التي تتحكم بالوضع هناك وان التواجد الميداني للحزب في هذه البقعة الجغرافية رمزي جداً ويقتصر على الدعم اللوجستي.

ازاء هذه المؤشرات، تم تحديد موعد السنة المقبلة لحل المشاكل العالقة، وذلك استناداً الى ان الحل في سوريا سيكون متاحاً خلال العام 2018 وان البعض يتوقع ان يتبلور في الصيف، وان الوصول الى حل سوري سيعني حكماً الوصول الى خلاصة مقبولة من كل الاطراف للاوضاع في المنطقة (ما عدا الصراع العربي- الفلسطيني حالياً)، اي ان اليمن والعراق وليبيا هم ايضاً ضمن هذا "التفاهم"، وسينتفي سبب القلق السعودي من التهديدات العسكرية والامنية التي تنبع من اليمن المجاور، وهو كان الشرط الاساسي لولي العهد السعودي الامير ​محمد بن سلمان​ للبنان كي تنتظم العلاقة مع بيروت، وما عمل الحريري من اجل تحقيقه قبل وبعد الازمة مع السعودية، وحاول ان يُفهم المسؤولين السعوديين بأن الحزب لا يملك الكلمة الفصل فيه ويجب توجيه البوصلة الى ايران، دون ان يوفّق.

وفي ظل الوضع القائم، يبدو ان الستاتيكو بين لبنان والسعودية سيبقى على حاله لاشهر معدودة، الى ان تصدق التوقعات بالوصول الى امر ايجابي العام المقبل بالنسبة لمنطقة الشرق الاوسط، يضع حداً للمشاكل المتواصلة في سوريا والعراق واليمن ويوضح الصورة الضبابية التي تعيشها ليبيا، فتخرج الرياض غير الراضية عن وضعها العام من مأزقها، لانه حالياً يمكن اعتبارها في مأزق ولم تعد مرتاحة في التعامل مع الاوضاع الاقليمية وسط سياسة اميركية غير مستقرّة وتدخّل روسي قوي أمّن موطىء قدم دائم للدب الابيض في المنطقة.