يمكن القول ان الواقع الحالي يشير الى ان ​اسرائيل​ باتت شبه معزولة دوليا،ً وهذا الامر دفع برئيس الوزراء الاسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ الى القيام بجولة افريقية م لشد العصب واظهار ان بلاده قادرة على تحدي القرارات الدولية دون عناء او قلق.

ولكن، الحقيقة تفيد انه لولا ​الولايات المتحدة الاميركية​ وسياستها المستجدة عبر رئيسها الحالي ​دونالد ترامب​، لكانت اسرائيل شعرت وللمرة الاولى في الفترة الاخيرة، انها معزولة فعلاً عن العالم، وانه يجب عليها اعادة النظر بقراراتها كي تنضمّ مجدداً الى الاسرة الدولية كما كانت قبل القرار الاميركي الشهير بالاعتراف ب​القدس​ عاصمة لاسرائيل، رغم ممانعة 128 دولة. وتجاهد واشنطن بالقول والفعل م لانقاذ اسرائيل من عزلتها، وهي لم تتورع عن استخدام ورقة التمويل لاثبات مدى جديتها في الدفاع عن اسرائيل دبلوماسياً وسياسياً فسحبت جزءاً من حصتها السنوية من الاموال (285 مليون دولار تحديداً) كعقاب على تصويت الجمعية العامة ضد القرار الاميركي.

وفي حين اوضحت المندوبة الاميركية في ​مجلس الامن​ ​نيكي هايلي​ بشكل واضح ان هذا القرار اتى كرد فعل اميركي على التصويت على قرار القدس، بدا ظاهراً بشكل جليّ ان واشنطن غير مهتمة بمصير ومكانة ​الامم المتحدة​. فبعد تخفيض التمويل الاميركي، اعلنت المنظمة الدولية انها الغت 131 وظيفة لتتمكن من التأقلم مع الوضع المالي الجديد، وهو امر إن دل على شيء، فعلى حاجة الامم المتحدة الى الاموال، والى عدم حاجة الدول الكبرى اليها الا لتوافق على قراراتها. وهذا المؤشر يزداد خطورة، لان العالم لا يزال يتمسك بالامم المتحدة -رغم دورها الهامشي- كمرجع يمكن اللجوء اليه للشكوى او لتبرير موقف او حتى للقول ان شريعة الغاب لم تحكم العالم بعد.

قد يكون من المفيد جداً اعادة النظر بوضع الامم المتحدة وهيكليتها والاسس التي قامت عليها، لان ما يعيشه العالم اليوم مختلف بشكل جذري عما كانت عليه الاوضاع في السابق، ومن غير المقبول ان تبقى الحرب العالمية الثانية ونتائجها هي التي تسيّر قوانين مجلس الامن والامم المتحدة. كما انه ليس من المنطقي بتاتاً ان تتفرد دولة واحدة بقراراتها وتفرضها على العالم، اياً كانت هذه الدولة وبغض النظر عن القرار الذي تتخذه لانه سيكون نابعاً دون شك، من حرصها على مصالحها الخاصة وليس مصلحة العالم. اما بالنسبة الى اسرائيل، فهي لا تزال في وضع حرج رغم المساندة الاميركية المطلقة، وقد تكون اليوم في اضعف حالاتها الدبلوماسية والسياسية وحتى العسكرية لان تفوقها في هذه المجالات كان اكبر بكثير في العقود الاخيرة. ومن نافل القول ان وجودها كأمر واقع بات مهدداً او معرضا للخطر، ولكن ليس من المبالغ به القول انها باتت تحتاج الى مساعدة لتبقى على الساحة وان صورتها اهتزت بشكل كبير، على الرغم من ان دول العالم غير مهتمة بازاحتها عن الصورة، ولكنها معنية تماماً بوضع حدود لها لا يمكن ان تتخطاها كيفما تشاء وساعة تشاء.

ليس امام اسرائيل سوى طريق واحد هو طريق السلام، انما ليس وفق الشروط الحالية، ولا يمكنها ان تركب هذا القطار باستعلاء او استقواء من اميركا، لان النتائج ستكون كارثية، وهي تعمل حالياً على كسب ما امكن من مساحات عبر ​الاستيطان​ والتوسع جغرافياً لفرض امر واقع جديد قبل ان تصل الى الواقع المحتوم والذي لا يعرف احد مدى الوقت الذي سيأخذه، من اجل التوصل الى سلام في المنطقة. حتى الآن نجحت اميركا في اعطاء اسرائيل الوقت اللازم والكافي لفك عزلتها وتنفيذ مشروعها، فكم ستطول هذه الفترة، وماذا سيكون عليه الوضع بعد التطورات الجديدة التي نقف على ابوابها؟.