شهد العام 2017 العديد من الأحداث المهمة على الصعيد المحلي لا سيما في القسم الثاني منه، توجت بالنجاح الأبرز في تحرير الجرود اللبنانية من الجماعات الإرهابية، ومن ثم في تجاوز أزمة كبيرة على المستوى السياسي، بعد تقديم رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ إستقالته، من العاصمة السعودية الرياض، بطريقة ملتبسة.

بالتزامن، ينتظر لبنان في شهر أيار من العام 2018 معركة مصيرية على المستوى الإنتخابي، لكن كل ذلك لا يلغي أن الساحة المحلية كانت على موعد مع العديد من الجرائم التي هزت الرأي العام، في حين سقطت العديد من الشبكات الإسرائيلية بقبضة القوى الأمنية.

تحرير الجرود ومحاربة الإرهاب

في الوقت الذي لا تزال فيه الأجهزة الأمنية اللبنانية تثبت نجاحها على مستوى مكافحة الإرهاب، من خلال إحباط العديد من المخططات وتوقيف العديد من الأفراد والخلايا النائمة، نجحت القوى العسكرية، في شهر آب من العام الجاري، في تحرير الجرود اللبنانية من الجماعات الإرهابية التي كانت تتمركز فيها.

والبداية كانت من العملية التي نفذها "حزب الله" في جرود بلدة عرسال، التي إنطلقت في شهر تموز، وانتهت إلى الإتفاق على خروج عناصر جبهة "النصرة" بقيادة أبو مالك التلة باتجاه محافظة إدلب السورية، ومن ثم عبر عملية "فجر الجرود"، التي أعلن عنها قائد الجيش العماد جوزيف عون في 19 آب، التي توجت بخروج عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي من جرود بلدتي القاع ورأس بعلبك، وبكشف مصير العسكريين الذين كانوا مخطوفين لدى التنظيم، إلا أن نهاية الملف الأخير لم تكن سعيدة، حيث تبين أنهم إستشهدوا قبل أشهر طويلة من المعركة.

بالتزامن مع المعركتين، شهدت الساحة السياسية العديد من السجالات المهمة، بالرغم من الإجماع الوطني حول دور المؤسسة العسكرية، ففي جرود عرسال طرحت بعض القوى إنتقادات حول دور "حزب الله" في العملية، بينما في جرود رأس بعلبك والقاع كان الخلاف حول التنسيق مع الجانب السوري من عدمه في البداية، ومن ثم حول الصفقة التي أبرمت مع عناصر "داعش"، لا سيما بعد الكشف عن مصير العسكريين الشهداء، الأمر الذي كان له تداعيات كبيرة على مستوى المنطقة، أبرزها الرفض العراقي الرسمي، عبر رئيس الوزراء حيدر العبادي، لنقل هؤلاء الإرهابيين إلى مناطق سيطرة تنظيمهم على الحدود السورية العراقية، ومن ثم من خلال منع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، على مدى أيام، عبور الحافلات التي تنقلهم.

على مستوى الإنجازات الأمنية، لا يمكن تجاهل نجاح الأجهزة الأمنية في إحباط العديد من المخططات الإرهابية، أبرزها توقيف عمر العاصي في شارع الحمرا قبل تنفيذه عملية إنتحارية كانت تستهدف مقهى الكوستا، بالإضافة إلى العمليات الأمنية التي أدت لتوقيف عدد من الشبكات والأشخاص المشتبه بتعاملهم مع إسرائيل، أشهرهم الممثل زياد عيتاني، بالإضافة إلى المتورطين في أعمال إرهابية، مثل الشيخ مصطفى الحجيري والرئيس السابق لبلدية عرسال علي الحجيري، في حين برز على المستوى القضائي صدور القرار الإتهامي في جريمة إغتيال القضاة الأربعة في صيدا، والأحكام في ملف أحداث عبرا، بالإضافة إلى الحكم بالإعدام على الإرهابي الموقوف أحمد الأسير، وعلى مستوى الأوضاع الأمنية في مخيم عين الحلوة، الذي شهد إشتباكات مسلحة، وفرار أبرز المطلوبين، خصوصاً شادي المولوي، هيثم الشعبي، أبو خطاب المصري.

جرائم هزت الرأي العام

في الوقت الذي نجحت الأجهزة الأمنية في تحقيق إنجازات نوعية على مستوى مكافحة الإرهاب، برزت في هذا العام العديد من الجرائم التي هزت الرأي العام اللبناني، والتي أدت إلى سقوط ضحايا، إلا أن الحكم بالإعدام على طارق يتيم قاتل المواطن جورج الريف قد يساهم في إيجاد عامل ردع على هذا الصعيد.

من أبرز تلك الجرائم، تلك التي إستهدفت الدبلوماسية البريطانية ريبيكا دايكس، بعد أن أقدم سائق تاكسي على محاولة اغتصابها ومن ثم قتلها، في 16 كانون الأول، قبل أن تتمكن القوى الأمنية من إلقاء القبض عليه.

وعلى طريق الدورة-الكرنتينا، أدى السلاح المتفلّت، في 7 حزيران، إلى مقتل الشاب روي حاموش خلال عودته من حفلة عيد ميلاده، حيث أقدم أحد الأشخاص على اطلاق النار مباشرة على رأس الضحية بسبب حادث تصادم وقع في الأشرفية.

كما شهدت العديد من الملاهي الليلية حوادث إطلاق نار وإشكالات فردية، أبرزها في ملهى "بلو بار" في زحلة، في 7 أيار، حين قتلت الفتاة سارة سليمان على يد شخص أطلق النار عشوائياً غضباً من زحمة السير أمام الملهى.

على صعيد متصل، كان للجرائم المرتكبة من قبل العاملات المنزليات حيزاً مهماً في هذا العام. ففي 24 أيلول، هزّت جريمة مروعة بلدة بسكنتا، بعد أن أقدمت عاملة أثيوبية على ذبح امرأة مسنة كانت تعمل في منزلها. وفي 23 أيار، قامت عاملة أثيوبية في برجا بطعن مخدومتها قبل أن تحاول الانتحار. وفي 18 تشرين الثاني أقدمت عاملة أثيوبية، في الرابية، على ذبح شارل وليم سكاف وزوجته سهى كمال حتي.

في سياق آخر، أقدم سوريان في برج البراجنة، في 17 أيلول، على خنق جارتهما وأحراقها. كما أقدم سوري، في بلدة مزيارة قضاء زغرتا، على قتل الفتاة ريا الشدياق بعد اغتصابها في منزلها بتاريخ 22 أيلول. وفي 17 تشرين الأول، أقدم الطفل علي يونس، ابن الـ 14 عامًا، في منطقة زقاق البلاط على قتل والده والناطور وأحد الجيران في الشارع.

من جهة ثانية، كان للمصارف حصتها، في العام 2017، على مستوى الأوضاع الأمنية، حيث شهدت العديد منها عمليات سطو مسلح.

أحداث حكومية وبرلمانية بارزة

على المستوى الحكومي، شكلت الزيارات التي قام بها بعض الوزراء إلى دمشق، بالإضافة إلى الدعوات إلى التنسيق مع الحكومة السورية لإعادة النازحين، مادة سجالية بارزة، لكن هذا لم يمنع الحكومة من تحقيق بعض الإنجازات البارزة، مقابل فشلها في معالجة بعض الملفات، أبرزها الكهرباء والنفايات ومؤخراً ما يُعرف بمرسوم "دورة عون".

في هذا السياق، نجحت الحكومة في إنجاز التعيينات الأمنية والدبلوماسية والتشكيلات القضائية، بالإضافة إلى إقرار مراسيم النفط التي أدخلت لبنان إلى نادي الدول النفطية، وفي إرسال مشروع قانون الإنتخاب الجديد إلى المجلس النيابي لإقراره.

في المقابل، تمكن مجلس النواب من إقرار قانون الإنتخاب الجديد بشكل رسمي، بعد أن كانت البلاد شهدت خلافات بارزة على هذا الصعيد، بالإضافة إلى إقرار قانون الموازنة العام لعام 2017، وإقرار قانوني سلسلة الرتب والرواتب والضرائب.

في هذا الإطار، لا يمكن إغفال أن المجلس الدستوري كان قد رد قانون الضرائب في نسخته الأولى، بعد أن نجح حزب "الكتائب" في تأمين تواقيع 10 نواب للطعن به، ولإستخدام رئيس الجمهورية المادة 59 من الدستور، للمرة الأولى في تاريخ لبنان، بهدف تعليق عمل مجلس النواب لمدة شهر واحد، لمنع إقرار إقتراح قانون يقضي بتمديد ولاية المجلس النيابي، ودفع القوى السياسية إلى الإتفاق على قانون جديد.

إحباط مخطط إستقالة الحريري

على المستوى السياسي، شهد العام 2017 بروز نجم وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، عبر التغريدات التصعيدية ضد "حزب الله" التي كان يطلقها عبر حسابه على موقع "تويتر"، بالرغم من أن بداية العام كانت مبشرة بالخير على مستوى العلاقة مع الرياض، من خلال الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ إلى المملكة.

المواقف التصعيدية التي كان يطلقها السبهان وصلت إلى مداها الأقصى في شهر تشرين الثاني، بعد أن قدم رئيس الحكومة سعد الحريري، في الرابع من الشهر نفسه، إستقالته الملتبسة من العاصمة السعودية، والتي أدت إلى توتر الأجواء على مستوى العلاقة بين البلدين بعد إعتبار رئيس الجمهورية أن الحريري محتجز في الرياض، وأن كل ما يصدر عنه لا يمكن الأخذ به، قبل أن تنجح الجهود الدبلوماسية التي قادها الرئيس عون ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، بالتعاون مع أمين عام "حزب الله" السيد ​حسن نصرالله​ ورئيس المجلس النيابي، في نقل رئيس الحكومة سعد الحريري إلى العاصمة الفرنسية باريس، بواسطة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

في ظل هذه المرحلة، برز المخطط، الذي عاد رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط إلى الكشف عنه لاحقاً، القاضي بنقل الزعامة السياسية على مستوى تيار "المستقبل" إلى شقيقه بهاء الحريري، لكن مع عودة رئيس الحكومة إلى البلاد، في 21 تشرين الثاني، ومن ثم إعلانه التريث بتقديم الإستقالة، في اليوم التالي، بدأت الأمور بالعودة إلى ما كانت عليه ما قبل الإستقالة، خصوصاً أن الحريري عاد بعد ذلك ليعلن عن تراجعه عنها بعد الإتفاق على بيان جديد يؤكد مبدأ النأي بالنفس نتيجة مشاورات سياسية واسعة قادها رئيس الجمهورية.

الإنتخابات والتحالفات الجديدة

رغم النجاح في إحباط المخطط السعودي لإسقاط حكومة الحريري، الذي كان من الممكن أن يؤدي نجاحه إلى أزمة سياسية كبيرة في البلاد، لا يمكن القول أن ما حصل في الرياض مر من دون نتائج بارزة، لا سيما على مستوى التحالفات الداخلية، بين رئيس الحكومة و"القوات اللبنانية" من جهة، وبين "القوات اللبنانية" والتيار "الوطني الحر" من جهة ثانية، في حين تلقى التحالف بين التيار "الوطني الحر" وتيار "المستقبل" دفعة دعم قوية.

في هذا السياق، عاد الحديث، بعد موقف "القوات" خلال أزمة الإستقالة، عن عودة علاقاتها مع "الوطني الحر" إلى سابق عهدها، خصوصاً أن التيار رأى في موقفها طعنة لعهد رئيس الجمهورية، وصلت إلى حد توجيه الإتهامات المتبادلة بين الجانبين بشكل علني، في حين أن التوتر سيطر على العلاقة بين "القوات" و"المستقبل"، نتيجة صمت الأخير عن الإتهامات التي وجهت إلى "القوات" في وسائل الإعلام، نقلاً عن مصادره وأوساطه، وبرزت هنا التصريحات النارية التي كان يطلقها، بين الحين والآخر، رئيس جهاز الإعلام والتواصل في "القوات اللبنانية" شارل جبور، بالرغم من أن القوى الثلاث تؤكد أن العلاقة لم تنقطع، بل أن هناك "الشوائب" التي تحتاج إلى معالجة.

إنطلاقاً من هذا الواقع، ينتظر الجميع في لبنان الإستحقاق الإنتخابي، في شهر أيار المقبل، لا سيما بعد توقيع وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في لبنان والخارج، والتي توصف من قبل العديد من القوى والشخصيات بأنها ستكون مصيرية، لا سيما أن الحكومة التي ستنتج عنها ستكون حكومة العهد الأولى، نظراً إلى أن رئيس الجمهورية أعلن، منذ البداية، أنه لا يعتبر الحالية حكومة العهد الأولى، كما أن قانون الإنتخاب سيكون مختلفاً عن السابق، من خلال إعتماده النظام النسبي على أساس 15 دائرة للمرة الأولى في تاريخ لبنان، في حين طرأت العديد من التعديلات على التحالفات التي كانت قائمة في الإستحقاق السابقة، خصوصاً على مستوى التحالف بين "الوطني الحر" و"المردة".