أكد متروبوليت بيروت للروم ​الارثوذكس​ ​المطران الياس عودة​، في عظة قداس رأس السنة من كاتدرائية القديس جاورجيوس في ​وسط بيروت​، أنه "في هذه الذكرى تدخلنا الكنيسة في الزمن الجديد زمن الملكوت سنة الرب المقبولة، لذلك نرفع الدعاء إلى الله شاكرينه على كل ما أعطانا ومجددين العهد على الوفاء لتعاليمه والشهادة له نحن الذين عند المعمودية لبسنا المسيح واتحدنا به"، مشيراً الى أن "العالم يحتفل اليوم أي في الأول من كانون الثاني ببدء السنة التي نسأل الله أن يجعلها مباركة وحاملة الخير والسلام".

وأوضح عودة أن "الكنيسة تعيد اليوم لذكرى ختانة الرب يسوع، بالأمس القريب رأينا عمانوئيل طفلا في المذود ملفوفا بالأقمطة كأي طفل واليوم نراه مطيعا للناموس يخضع للختان الذي كان واجبا على كل ذكر يهودي لتأكيد العهد مع الله، لكن خضوع الطفل الإلهي للناموس لم يكن كخضوع أي طفل بل لكي يعتقنا من لعنة الناموس ويجعلنا أبناء للنعمة"، لافتاً الى أن"الكنيسة تعيد اليوم أيضا للقديس باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصرية الكبادوك الذي ولد في أواخر العام 329 في عائلة خرج منها قديسون ومعترفون وشهداء، فجده لأمه كان شهيدا للمسيح وجداه لأبيه كانا معترفين، جدته مكرينا التي اعتنت بتربيته كانت قديسة تتلمذت على يد القديس غريغوريوس الصانع العجائب، أبوه وأمه كانا تقيين ورعين أنجبا خمسة ذكور وخمس إناث وقد أصبح خمسة من أبنائهما قديسين بينهم قديسنا باسيليوس وأخته مكرينا التي خشيت على أخيها باسيليوس الذي تتلمذ على كبار معلمي عصره وأتقن التاريخ والهندسة وعلم الفلك والمنطق والبلاغة والبيان والشعر والفلسفة وغيرها من علوم زمانه، فاتهمته بالإدعاء والغرور والإستكبار، أثر كلامها في نفسه وغير مسيرة حياته خاصة بعد وفاة أخيه نكراتيوس الفجائية، أدرك باسيليوس أن كل الأشياء فانية ما عدا وجه الله فقال "بعد أن أمضيت زمنا طويلا في الأباطيل وصرفت عهد شبابي في الكد والجد في تحصيل العلوم وبلوغ حكمة تنكرها الحكمة الإلهية صحوت يوما كما يصحو النائم من رقاد عميق ولمحت النور الباهر المشرق من تعليم الإنجيل".

وتابع بالقول "زار المراكز البارزة للحياة الرهبانية في العالم المسيحي، ثم قرر النسك والعزلة وانصرف إلى الصوم والصلاة وقراءة الكتاب المقدس وكتب الآباء والتأمل. بعد ذلك اهتم بالرهبنة المشتركة ووضع لها القواعد وأنشأ المناسك. ثم تدرج في الرتب الكهنوتية إلى أن اختير رئيس أساقفة حوالى سنة 370 لقداسته رغم اعتلال صحته"، ذاكراً أن "باسيليوس نذر حياته لعمل الرحمة وعندما حطت المجاعة في قيصرية باع الأملاك التي تركها له والده لإطعام المحتاجين وألقى المواعظ التي حركت القلوب ففتح الكثيرون مخازنهم للمساعدة، وكما واجه المجاعة بشدة هكذا واجه بدعة آريوس حتى إنه تحدى الإمبراطور والنسالآريوسي وقال لموفده مودستس "إمبراطوري أنا يمنعني من اتباع أوامر إمبراطورك، لا أستطيع أن أعبد خليقة وأنا خليقة الله ومدعو إلى الإشتراك في حياته، أنت حاكم وأحد البارزين لكنني لا أكرمك أكثر مما أكرم الله"، وعندما هدده بمصادرة ممتلكاته ونفيه، أجاب "لا يمكنك أن تصادر مقتنياتي لأني لا أملك شيئا، إلا إذا كنت تريد ثوبي العتيق هذا أو الكتب القليلة في مكتبتي، أما النفي فماذا يضيرني حيثما حللت في أرض الله هناك يكون منزلي، لا يمكنك أن تنفيني من نعمة الله، والتعذيب لا ينال مني لأنه ليس لي بعد جسد يحتمل التعذيب، ضربة واحدة ويأتيني الموت، أما الموت فمرحب به لأنه يأتي بي سريعا إلى حضرة الله المباركة".

كما لفت الى أن "الصفحات المضيئة في تاريخ المسيحية كتبت بدماء الشهداء، فالكنيسة هي كنيسة الرسل والشهداء الذين سقطوا الواحد تلو الآخر دفاعا عن إيمانهم بالمصلوب الذي مات وقام من أجل خلاص العالم، آلاف الشهداء بل ملايين سقطوا في كل العصور بدءا بالعهد الروماني".

وشدد عودة على أن "مهمة الكنيسة أن تشهد لمسيحها، هذا يعني أن من واجب كل مسيحي أن يشهد للمسيح للحق حتى الدم ليس كرها بالحياة بل محبة لل"، موضحاً أنه "في هذا اليوم المبارك أسألكم أن تتأملوا في سير القديسين ومن استشهدوا بفرح من أجل إيمانهم جاعلينهم نصب أعينكم أمثلة وقدوة لحياة تتدرجون فيها صعودا بالجهاد والفضائل إلى أن تصلوا إلى قياس ملء المسيح".

وأعرب عن "أمله أن تكون بداية العام مناسبة للتأمل بما مضى والرجاء بما سيأتي"، متأملا ايضاً أن "يتجه كل منا إلى قلبه وأن يتفحص بتأن ما يعتمر في داخله ويتوب عن كل خطيئة أو شر أو معصية ارتكبها ويعود إلى ربه متعهدا سلوك طريق الخير والبر والصلاح بمعزل عما يقوله أو يفعله الآخر. فإن أصلح كل منا نفسه وقوم اعوجاجها وملأ قلبه محبة وإيجابية وفرحا وألقى همومه على ربه سوف يحيا بسلام وطمأنينة".

وختم عودة بالقول "لقد أعطي لنا الزمن للتوبة ولعيش الفضيلة بانتظار لقاء وجه الرب، ألا كانت السنة القادمة علينا بخير، سنة توبة ورجوع عن كل ما يسيء إلينا وإلى إخوتنا، سنة كفاح من أجل الوصول إلى الأفضل، سنة مصالحة مع الذات ومع الغير، سنة قيامة لنا ولوطننا لبنان من كل كبوة، أعاد الله عليكم هذا العيد المبارك بالصحة والخير والقداسة وعلى وطننا المحبوب لبنان بالسلام والإستقرار والإزدهار".