من المتعارف عليه انه عند نهاية كل سنة، يتحضر المرء لتوديع ساعات 365 يوماً حملها بحلوها ومرّها، آملاً ان ينسى الاوقات الحزينة فيها، وهو يتعلق بالاوقات الفرحة، ويحمل معه قبيل ساعات معدودة على فتح صفحة جديدة من حياته ان يفرح كي تبدأ سنته بعدم اكتئاب او تعاسة.

عادة يمكن التوقف عند مدى صحتها والمنطق فيها من عدمه، ولكن طالما ان الوضع هو ضمن هذا الوصف، تركب غالبية ​وسائل الاعلام​ للاسف موجة مغايرة تماماً. فبعد "موضة" التبصير و​التنجيم​ التي واكبتنا منذ سنوات خلَت والتي تجهد كل وسيلة اعلامية الى التأكيد على مدى صحة "المتنبّي" لديها ولو اخطأ على قدر ما يشاء، تطالعنا موجة لم يمرّ عليها وقت طويل، وتضعنا امام مشهد حزين لاناس عاكستهم ظروف الحياة واهلكت جسدهم ومعنوياتهم بثقل مآسيها.

من المحبّذ والمطلوب والمشجّع ان تقوم بعض وسائل الاعلام في الاضاءة على مثل هذه الحالات والعمل على مساعدة الآخرين بالوسائل الممكنة والمتاحة (وهي كثيرة والحمد لله)، انما غالباً ما نكون امام حالات تحفر في القلب وتترك غصّة فيه، ولا تحبس الدمعة في العين بل تعطيها مطلق الحرية للخروج والتعبير عن مدى الحزن الذي تم ادخاله في النفس.

ينجح بعض وسائل الاعلام في تغيير مزاج المشاهد بشكل جذري بعد ان كان قد تحضّر قبل ساعات لتمضية سهرة اعتقد انها ستكون على قدر ما تطلع اليه ان ينسى معها هموم السنة وسابقاتها. ليس من الخطأ ابداً ان يشاهد المرء مدى الوضع السيء الذي يعيشه آخرون في البلد نفسه، ولكن بإمكان الوسائل المعنية ان تصل الى الهدف المنشود من خلال طريقتين: الاولى عدم الحفر في مآسي الاخرين، فحالتهم تتحدث عنهم وليس من المفيد بشيء فعلاً ان نصل بالحفر الى النخر في العظام ودفع الانسان الى الانهيار، الى حد يصبح معه من المعيب كشف كل اوراق الشخص المعني امام المشاهدين اياً كان عددهم، فتموت الخصوصية وتضمحلّ، فيقف الانسان المعني عرياناً امام الكاميرات من كل سرّ او وضع لا يرغب في افشائه للعالم.

اما الطريقة الثانية، فتكمن في التخفيف من التركيز على ما قبل التغيير المطلوب، والاستفاضة بالوضع الذي انتقل اليه المرء، اي من حال التعاسة الى حال الفرح، ومن حال العوز الى حال العيش بمقدار معيّن من الاستقلاليّة، ومن القنوط والاقتراب من الاستسلام الى حال الامل والايمان بالله وبالآخرين. من شأن هذا الامر ان يخفف اولاً من نكء جراح المآسي لدى المعني، واظهار صورته الاخرى التي يرغب الجميع في رؤيتها، وهي حالة كفيلة بأن تنقل بذاتها المشاهد من وضع الى آخر، وان تؤمّن له اوقاتاً سعيدة تتلاءم مع المخطط الذي وضعه بمحاولة طرد الهموم والاحزان ولو لساعات معدودة، كي يفرح ويأمل بمحطة تمتد لوقت معدود، تكون بالنسبة اليه فسحة من الامل والقدرة على التحضر لمواجهة ما ينتظره من مخلفات السنة الفائتة، وما يمكن ان تحمله السنة ​الجديدة​ من تحديات ستستهلك دون شك كل طاقته ونشاطه الجسدي والمعنوي كي يخرج منها بأقل قدر ممكن من الاضرار.

ليس المطلوب من بعض وسائل الاعلام ان توصل الينا الاحزان، بل الافراح، وهذا لا يعني التعتيم على المأساة، انما عدم وضعها كواقع وحيد والاكتفاء بلحظات معدودة في النهاية لتعداد ما تمكنت هذه الوسيلة، مشكورة، من ايصاله الى المحزون. المطلوب اظهار حال الفرح وتأقلم الشخص معها، وهكذا يكون الجميع من الرابحين، فأفضل شكر على جهود الوسيلة الاعلامية والفريق التابع لها، هو الحال الجديدة التي يعيشها المرء بعد ان دخلت الى حياته، وافضل لحظة للمشاهد تكون بالنتيجة السعيدة والتمتع بها لقسم لا بأس به من الزمن وليس للحظات تسابق ثواني النهاية، وافضل تتويج لكل الامر يكون للشخص المعني الذي بدأ صفحة جديدة من حياته يأمل ان تكون على قدر آماله وتطلعاته بعد ان تأمنت له فرصة جديدة.

وكل عام وانتم بخير...