كان يؤمل أن تكون عطلة ​عيد رأس السنة​ فرصة لفتح الخطوط الرئاسية وإيجاد المخارج الملائمة لما بات يعرف بأزمة «المرسوم»، غير ان هذه الخطوط بقيت مقفلة وبالتالي لم يحمل مطلع ​العام الجديد​ أي معطى سياسي يفيد بإمكانية بلوغ الحل المنشود لهذه الأزمة التي على ما يبدو وصلت إلى الذروة وبات من الملحّ الوصول إلى حل، لأن ترك الأمور على غاربها سيكون له ارتدادته السلبية في أكثر من مكان وفي مقدمة ذلك ​مجلس الوزراء​ من باب إمكانية ان يلجأ وزراء حركة «امل» إلى الاعتكاف ما لم يُصَرْ إلى احترام الصلاحيات وعدم القفز فوق توقيع وزير المال على هذا المرسوم.

وفي الوقت الذي نُقل فيه عن مصادر قريبة من ​قصر بعبدا​، أن رئيس الجمهورية يعتبر مرسوم منح الاقدمية سنة لضباط دورة العام 1994 صدر ولم يعد من الجائز الحديث عنه، وأن من لديه اعتراض حوله عليه الذهاب إلى ​مجلس شورى الدولة​، فإن رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ طرح مخرجاً يراه الأنسب لحل هذه المعضلة، ويرمي هذا الطرح إلى إرسال مرسوم الاقدمية إلى وزير المال وأنه يضمن هو التوقيع عليه، معتبراً انه «اذا تمّ اللجوء إلى ​القضاء​ لحل هذه الأزمة اقول لهم مسبقاً مبروك».

هذا التفاوت الكبير في المواقف بين من يقفل الباب على أي مقترحات وبين من هو مستمر في فتح الابواب امام المخارج الملائمة لتجاوز هذه المشكلة وإعادة الأمور إلى نصابها القانوني و​الدستور​ي والميثاقي.

وإذ تنفي أوساط الرئيس برّي وجود أي موعد بينه وبين الرئيس ​سعد الحريري​ في ما خص أزمة المرسوم قبل انعقاد مجلس الوزراء غداً، فإن هذه الأوساط تنقل عن رئيس المجلس قوله انه لم يسجل في الساعات الماضية أي جديد في ما خص مرسوم دورة الضباط الـ1994 وأن الوضع ما زال على حاله، رافضاً ان يضيف على ذلك أي كلام آخر على اعتبار ان كل ما لديه قاله خلال الأسبوع الماضي.

ووسط هذا الأفق المقفل تتجه الأنظار إلى ما سيعلنه الأمين العام ل​حزب الله​ السيّد ​حسن نصر الله​ في مقابلة تلفزيونية هذه الليلة، علماً ان رئيس ​كتلة الوفاء للمقاومة​ النائب محمّد رعد أكّد ان «حزب الله» ليس وسيطاً في هذه المسألة، وأنه أبلغ موقفه للمعنيين بأن احترام الدستور واحترام الصلاحيات من شأنه ان يضع الأمور في نصابها ويعطي كل ذي حق حقه، مراهناً على حكمة الرئيس برّي وانفتاح الرئيس عون على المعالجات للوصول إلى نتيجة، وقال: علينا ان لا نضيع البوصلة وأن نتيه في خلافات عابرة وجزئية لا قيمة لها على المستوى الاستراتيجي.

هذا الكلام للنائب رعد يؤكد بأن حزب الله الذي ينحاز إلى جانب الرئيس برّي في موقفه من الصلاحيات والميثاقية لن يقوم بدور الوسيط بين حليفيه، وانه مستمر في الإمساك بالعصا من الوسط حفاظاً على هذا التحالف، ومن منطلق ادراكه للمخاطر التي تحيط به من كل جانب والتي تستوجب عدم الانغماس كثيرا في أي خلافات داخلية بشكل علني ومباشر.

وانطلاقاً من هذا المشهد فليس مبالغة القول بأن ما هو قائم بين قصر بعبدا و​عين التينة​ ذاهب إلى ما هو أبعد ما لم يركن طرفا النزاع إلى النصوص الدستورية التي تأتي على كل القضايا وتجد الحلول لأية أزمة تظهر على المستوى السياسي، في ظل الجسور المقطوعة بين الطرفين والغياب الكامل لدور الاطفائيين أي سعاة الخير.

وفي هذا السياق تؤكد مصادر عليمة بأن الرئيس برّي ليس في وارد التراجع عن مواقفه في ما خص «المرسوم» وذلك من باب قطع الطريق امام قرارات التفرد والقفز فوق الشراكة والميثاقية والتوافق، علماً انه سبق وقدم الكثير من التنازلات السياسية إن كان خلال تأليف ​الحكومة​ أو غيرها من المحطات، وكان هدفه فقط الحفاظ على الدولة وتجنب الانهيار، مشددة على ان الرئيس برّي سيستمر في مواجهة أي منطق سياسي من شأنه الانقضاض على التوازنات السياسية في البلد وكذلك ​اتفاق الطائف​.

وتعرب هذه المصادر عن اعتقادها بأن استمرار الأمور على النحو الذي هي عليه اليوم، وغياب أي مساعٍ لنزع فتيل المرسوم، فإن ذلك يعني ان الأبواب ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات ومن بينها انعدام مبرر وجود ​التسوية الرئاسية​ التي جاءت بالعهد الحالي، وعبّدت الطريق امام تأليف الحكومة وانتاج قانون جديد للانتخابات، وكذلك عدم إسقاط إمكانية «كربجة» العمل الحكومي من خلال اعتكاف أحد مكنوات مجلس الوزراء، من دون إسقاط إمكانية ان تطال شظايا الاشتباك حول «المرسوم» الاستحقاق الانتخابي حيث من الممكن ان يؤدي استمرار هذا الاشتباك إلى تغيير ملحوظ في خارطة التحالفات، وبالتالي فنكون امام مشهد سياسي جديد من شأنه ان يكون مؤثراً في الواقع الراهن.

وبوجهة نظر هذه المصادر فإن فض الاشتباك حول مرسوم الاقدمية بات في ظل المعطيات السياسية السوداوية الموجودة يحتاج إلى معجزة، وما دمنا في غير زمن المعجزات فهذا يدعونا إلى ان ننتظر إلى ما ستؤول إليه الأوضاع، وإن كان ما ينقل عن القصرين لا يبشر بقرب نزع فتيل المرسوم لا بل انه ينذر بدخول البلد في حقل من ​الألغام​ إن هي انفجرت ستطيح بكل الإنجازات وستضع البلد مجدداً على كف العفريت.