لفت العلامة السيد ​علي فضل الله​، خلال خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في ​حارة حريك​، إلى أنّ "​لبنان​ يدخل سنة جديدة على وقع الأزمة السياسية الحادّة الّتي تقضّ أركان الدولة فيه، وهي لا تقف عند حدود التعامل مع المرسوم الّذي يتعلّق بأقدمية ​دورة ضباط 1994​، بل تتجاوز ذلك إلى آلية إصدار المراسيم والتوقيعات وموقع ​وزارة المال​ فيها، وهي قابلة للتفاقم في ظلّ عدم التوافق، إن لم يتمّ الإحتكام إلى مرجعيّة دستورية هي خارج دائرة الإصطفافات الموجودة، أو إلى التوافق الّذي يأخذ بالإعتبار التوازن بين مختلف الطوائف في هذا البلد الّذي نعتقد أنّه هو مرجعية المرجعيات".

وركّز على أنّه "إلى أن يحصل هذا الأمر، فإنّنا نرجو أن لا يؤثّر ذلك في معالجة العديد من القضايا العالقة الّتي تستنزف موارد الدولة، كما هو ملف الكهرباء أو ​الفساد​ أو البيئة وصحة المواطن، وملف النفايات أو المطالب المشروعة للمياومين والمتعاقدين أو الملف الإجتماعي أو المعيشي"، منوّهاً إلى أنّ "في هذا الوقت، ومع بداية السنة الجديدة، تدخل إلى حيّز التنفيذ زيادة 1 بالمئة على ​القيمة المضافة​، بعد الـ10 بالمئة السابقة على العديد من الخدمات والسلع الّتي أقرّها مجلس الوزراء، والّتي ستثقل كاهل المواطنين، وتؤدّي إلى زيادة منسوب الفقر في هذا البلد"، متسائلاً عن "مدى رقابة ​وزارة الإقتصاد​ و​مصلحة حماية المستهلك​ على الأسعار الّتي ترتفع أكثر ممّا يفرضه القانون".

وأشار السيد فضل الله، إلى "مدى استهداف العدو الصهيوني للوضع الداخلي اللبناني وإحداث فتنة فيه، والّذي تجلّى في الكشف عن تجنيد ​الموساد​ الصهيوني لأحد الأشخاص، للقيام باغتيال إحدى الشخصيات اللبنانية، في ظلّ ظرف حسّاس، وهو ما يدعو اللبنانيين إلى مزيد من الوعي وأخذ دور العدو بالإعتبار، لا في استهداف الأرض والجو والبحر فقط، بل في تهديد النسيج الداخلي اللبناني والعبث فيه أيضاً".

وبيّن أنّ "في ​فلسطين​، يستمرّ الكيان الصهيوني في ممارساته القمعيّة بحقّ الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية و​القدس​، لمنعه من التعبير عن رفضه للقرار الأميركي الإعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، والّذي يواكب بإصدار تشريعات وقرارات لفرض أمر واقع يمنع من التفاوض على القدس أو تقديم أي تنازل لحساب الشعب الفلسطيني"، موضحاً أنّ "في هذا الوقت، تستمرّ الإدارة الأميركية بممارسة ضغوطها على السلطة الفلسطينية، لتليين موقفها والرضوخ للسياسة الأميركية الّتي ترسم لفلسطين، وكان آخر تجلّياتها التهديد بقطع المساعدات المقدرة بـ300 مليون دولار، الّتي تقدمها للسلطة الفلسطينية".

وشدّد فضل الله، على "أنّنا نرى في هذا التّصعيد الّذي بدأ بالإعتراف بالقدس عاصمة لكيان العدو، والّذي يستكمل من قبل الإدارة الأميركية والكيان الصهيوني، منعطفاً خطيراً على مستقبل فلسطين والقدس، ولا بدّ من أن يقابل برد يناسبه"، لافتاً إلى أنّه "نظراً إلى أهمية الإعلان الفلسطيني بالذهاب إلى المحاكم الدولية، الّتي توجد في ملفّاتها الكثير من القضايا الّتي تدين الكيان الصهيوني وجرائم العديد من قادته، أو برفض الإبتزاز الأميركي بإرغام الشعب الفلسطيني على بيع القدس بحفنة من المساعدات المالية، فإنّ على القيادة الفلسطينية إظهار الموقف الحاسم، بإعلان سقوط الحل التفاوضي ووقف التنسيق الأمني مع العدو، وتذليل كلّ العقبات الّتي تعرقل قيام وحدة وطنية فلسطينية، وذلك بما يؤمّن كلّ الشروط لتفعيل هذه الإنتفاضة لتشمل كلّ فلسطين".

ودعا الدول العربية إلى "تحمّل مسؤوليّاتها بالسعي إلى اتخاذ مواقف ضاغطة على الإدارة الأميركية وعلى الكيان الصهيوني"، منوّهاً إلى أنّ "من المستغرب أن لا تثير قضية القدس أي شعور بانتهاك خطير للكرامة العربيّة، أو أن لا تشكّل مدخلاً لبناء موقف وحضور عربي موحد، وطيّ جراح الإنقسامات الراهنة، فإن لم نتوحّد حول القدس، فعبثاً أن توحّدنا أية قضايا أخرى".

ولفت فضل الله إلى أنّ "​إيران​ استطاعت بفضل وعي شعبها وحكمة قياديها، أن لا تقع في فخّ الفوضى الّذي كان يراد لها أن تقع فيه، والّذي يعرف الجميع تداعياته والتدخلات الّتي تحصل بسببه، والشواهد على ذلك كثيرة"، موضحاً "أنّنا في ذلك، لا نغفل وجود أزمة إقتصادية واجتماعية تستدعي حلّاً، ولا بدّ من استنفار كلّ الجهود لمعالجتها، ولكن يبقى الحذر من الداخلين على خطّها، ممّن يعملون على إخراجها عن مسارها، ويكفي للدلالة على ذلك حجم التحريض الّذي صدر عمّن أعلنوا ولا يزالون يعلنون العداء لإيران، وعن الّذين لا يكنّون خيراً لشعبها أو ليسوا حريصين عليه أو على رفاهيته، وهم الّذين كانوا السبب في وصولها إلى هذا الواقع".

وأكّد أنّ "ما جرى يستدعي من كلّ القيادات في الجمهورية الإسلامية التوحّد على السبل الكفيلة بإخراج هذا البلد من تداعيات أزماته الإقتصادية، كما ندعو الشعب إلى الصبر حتّى بلوغ الحل لذلك".