في الوقت الذي تُواجه فيه قوى "​14 آذار​" السابقة صُعوبات بالجملة والمفرّق-إذا جاز التعبير، على بُعد أربعة أشهر من الإنتخابات النيابيّة المُفترضة في 6 أيّار المُقبل، بشكل يُهدّد جدّيًا الأغلبيّة النيابيّة التي كانت هذه القُوى تتمتّع بها غداة إنتخابات العامين 2005 و2009، يُواجه التحالف بين قوى "8 آذار" و"التيّار الوطني الحُرّ" صُعوبات مُهمّة أيضًا، قد تضع هذه القوى بمُواجهة بعضها بعضًا في أكثر من دائرة، كما هي حال قوى "14 آذار" السابقة. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: قضيّة مرسوم منح أقدميّة عام لضُبّاط دورة العام 1994 تجاوزت مسألة توقيع هذا المرسوم من قبل وزير المال ​علي حسن خليل​ من عدمه، لتتحوّل إلى معركة صلاحيّات فُتحت على مداها بين رئيس الجُمهورية العماد ​ميشال عون​ من جهة ورئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ من جهة أخرى، الأمر الذي جعل وساطات كلا من رئيس الحُكومة ​سعد الحريري​ و"​حزب الله​" أكثر صُعوبة. فمساعي الحلحلة القائمة حاليًا تهدف إلى طيّ صفحة المرسوم وإرتداداتها على ترقيّات الضبّاط، إضافة إلى أنّها تهدف إلى ألاّ ينال هذا الحلّ من صلاحيّات رئيس الجُمهورية أو من صلاحيّات رئيس مجلس النوّاب، لأنّ الكثير من الأعراف في لبنان تتطوّر مع الوقت لتتمتّع بقُوّة الدُستور، وهذا الأمر بالتحديد صعّب المهمّة على الوسطاء. وقد إنعكست هذه القضيّة سلبًا على إمكانات التحالف والتنسيق بين مُناصري ​حركة أمل​ و"التيّار الوطني الحُرّ" في الإنتخابات المُقبلة، علمًا أنّ الطرفين سبق أن تواجها بقوّة خُصوصًا في قضاء جزّين خلال الإنتخابات الماضية. حتى أنّ إرتدادات أزمة المرسوم بدأت تطال موقع رئاسة مجلس النوّاب بعد الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، حيث يجري الحديث إعلاميًا–وعلى الرغم من عدم خروج أي تعليق عن "الوطني الحُرّ" في هذا الشأن، عن إمكان أن يُعارض "التيّار" التجديد لرئيس "حركة أمل" في منصب رئاسة المجلس الذي يشغله بدون إنقطاع منذ العام 1992، إنطلاقًا من مبدأ المُعاملة بالمثل، بعد أن شكّل رئيس المجلس "رأس حربة" في مُعارضة إنتخاب العماد عون رئيسًا للجمهورية حتى خلال جلسة إنتخابه في 31 تشرين الأوّل 2016.

ثانيًا: صحيح أنّ ذُيول تصريح وزير الخارجيّة ​جبران باسيل​ إلى قناة الميادين نهاية الشهر الماضي خرجت من التداول الإعلامي، بعد توضيحات من باسيل نفسه وبعد تدخّل أكثر من وسيط لوقف الحملة الإعلامية التي تعرّض لها وزير الخارجيّة، لكنّها أظهرت هشاشة علاقة الثقة المُفترض أن تكون قائمة مع باسيل،

بحيث تمّ نسيان سنوات طويلة من المواقف التي أطلقها من مُختلف المنابر العربيّة والدَوليّة، وتعرّض لحملة إعلاميّة إنطلاقًا من تصريح واحد، لأنّ مضمونه لم يأت مُطابقًا لرغبات البعض!.

ثالثًا: مسألة الإنتخابات النيابيّة، والحديث المُتزايد عن إتجاه "التيار الوطني الحُرّ" للتحالف مع "تيّار المُستقبل" في العديد من الدوائر، فتحت باب التساؤلات عن القُدرة على الجمع بين من جهة حرص "حزب الله" والمحور الذي يقوده في دعم وُصول شخصيّات مثل رئيس "التنظيم الشعبي الناصري" ​أسامة سعد​، ورئيس "​حزب الإتحاد​" ​عبد الرحيم مراد​، ورئيس "تيّار الكرامة" ​فيصل كرامي​، وغيرهم، إلى المجلس النيابي، ومن جهة أخرى عدم الإصطدام إنتخابيًا مع التحالف المُحتمل بين "الوطني الحُرّ" و"المُستقبل". كما أنّ العلاقة بين "الوطني الحُرّ" و"تيّار المردة" لم تعد بعد إلى سابق عهدها حتى تاريخه، على الرغم من مُحاولات "المُستقبل" و"حزب الله"-كلّ بشكل مُنفصل ولهدف مُختلف، تقريب وجهات النظر بين الطرفين، في ظلّ إستمرار العدّ العكسي لحسم الترشيحات والتحالفات الإنتخابية في دائرة "بشرّي-زغرتا-البترون-الكورة" وغيرها، ما يعني أنّ الفشل في الدُخول في تحالف مُشترك يعني حُكمًا التواجه إنتخابيًا. وبعض المعلومات الإعلاميّة تتحدّث أيضُا عن تنافس بين "الوطني الحُرّ" و"الحزب القومي السوري الإجتماعي" على بعض المقاعد النيابيّة لم يتمّ حسم الجدل بشأنه بعد، ومنها على سبيل المثال لا الحصر المقعد الأرثوذكسي في دائرة "مرجعيون-حاصبيا-بنت جبيل".

رابعًا: بحسب المعلومات المُتوفّرة، إنّ "التيّار الوطني الحُرّ" الذي أظهر خلال عهد الحُكومة الأولى تمسّكًا حازمًا بالسُلطات المُعطاة لرئيس الجمهوريّة في الدُستور، في ظلّ مُحاولات مُستمرّة لتعزيز هذه السُلطات عن طريق فرض بعض الأعراف التي تُعيد جزءًا من الحُقوق التي سقطت في "إتفاق الطائف"، لجهة مثلاً عقد أغلبيّة جلسات مجلس الوزراء في القصر الجُمهوري، وليس في مقرّ خاص للمجلس كما ينصّ الدُستور، وليس برئاسة رئيس الحُكومة إلا في ما ندَر، سيتجه بعد الإنتخابات إلى تأكيد التمسّك بحق المُداورة في مُختلف الوزارات، بما فيها المُصنّفة "سياديّة"، ما يعني رفض تخصيص أيّ طائفة أو مذهب بوزارة مُحدّدة، في الوقت الذي تتحدّث فيه مُعلومات أخرى عن إصرار رئيس المجلس النيابي أكثر من أيّ وقت مضى على التمسّك بوزارة المال وبحقّ التوقيع على المراسيم، في حُكومة ما بعد الإنتخابات، لتحويل العرف الحالي إلى واقع ثابت يُعزّز مُشاركة الطائفة الشيعيّة في السُلطة التنفيذيّة.

في الخلاصة، يبدو أنّ القانون النسبي من جهة، وتبدّل التحالفات بشكل جذري من جهة ثانية، سيجعلان الإنتخابات النيابيّة المُفترضة في أيّار المُقبل محطّة تنافس مفتوحة على مصراعيها، ليس بين محورين سياسيّين عريضين كما في الدورة السابقة، بل بين مجموعة واسعة من الأحزاب والقوى والشخصيّات السياسيّة التي كان يُفترض أن تكون في "خندق واحد"!.