هل انتقل الخلاف بين "​التيار الوطني الحر​" و"​حركة أمل​" من "مرسوم الأقدميّة" إلى "قانون الانتخاب"؟.

يبدو السؤال أكثر من مشروع، في ضوء السجالات الواضحة التي أفرزها اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة تطبيق قانون الانتخاب، والتي يبدو أنّها اتفقت مجدّدًا على "اللا اتفاق" على بعد أقلّ من أربعة أشهر من الموعد المفترض للانتخابات النيابية في السادس من أيار المقبل.

ففي حين فتح رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية ​جبران باسيل​ "معركة" تعديل قانون الانتخاب، من باب البطاقة الممغنطة، مصراً على أنّ عدم حصول ذلك سيؤدّي للطعن بالانتخابات ككلّ، كان رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ يتصدّى لذلك، رافضًا الموضوع جملةً وتفصيلاً.

وبين هذا وذاك، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا، هل من يسعى لـ"تفجير" الانتخابات بذرائع "تقنيّة"؟ وهل مثل هذا الاحتمال وارد أصلاً؟.

شبح التعديلات...

بعد اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة تطبيق قانون الانتخابات، والذي ترجّح بعض الأوساط أن يكون الأخير باعتبار أنّ البلاد دخلت فعليًا مرحلة الانتخابات، ولم يعد هناك مجال لمواصلة النقاش بالتفاصيل الشكلية والإجرائية للقانون، بدا وكأنّ الأمور عادت إلى المربع الأول، وتحديداً إلى مربع تعديل قانون الانتخاب، كما تطمح بعض القوى السياسية. فعلى الرغم من أنّ الإصلاحات الموعودة طارت إصلاحًا وراء إصلاح، من البطاقة الممغنطة إلى التصويت مكان السكن ومراكز الميغاسنتر وغيرها، خرج وزير الخارجية جبران باسيل ليقول إنّ تكريس عدم تطبيق هذه الإصلاحات يتطلب تعديلاً على قانون الانتخاب، تفاديًا للطعن بالانتخابات برمّتها في حال عدم حصوله، وهو ما يمكن أن يؤدي لنتائج كارثية.

وإذا كان باسيل يسعى في الظاهر من وراء التعديل إلى ضمان اعتماد البطاقة الممغنطة مثلاً في الانتخابات المقبلة، إذا ما تضمّن القانون نصًا صريحًا يقضي بعدم اعتمادها في انتخابات 2018 استثنائيًا، على أن تعتمد في الدورة التي تليها، فإنّ الخبراء الانتخابيين لا يجدون ضررورة لمثل هذا الاجراء. وينطلق هؤلاء من أنّ النصّ الحالي لقانون الانتخاب لا ينصّ أصلاً بشكلٍ صريح وحرفيّ على وجوب اعتماد هذه البطاقة، بل يتركها رهينة القرار السياسي، على أن تقرّ بتعديل للقانون في ​مجلس النواب​، بناءً على اقتراح من ​مجلس الوزراء​، كما ورد في المادة 84 من القانون، الذي نصّ في المقابل، في المادة 95 منه، على إمكانية الانتخاب بالطريقة التقليدية المتعارف عليها، أي من خلال بطاقة الهوية وجواز السفر.

وبموجب ذلك، فإنّ التعديل على القانون برأي الخبراء كان يجب أن يحصل فيما لو أقرّت البطاقة الممغنطة، وليس العكس، تمامًا كما أنّ إنشاء مراكز الميغاسنتر كان من الطبيعي أن يستتبع أيضًا جملة تعديلاتٍ ضروريّة على القانون، سواء لجهة إلغاء المادة 84، أو تعديل لوائح الشطب والفرز والنتائج، وصولاً إلى استحداث نظام التسجيل المسبق إذا ما اتفق عليه والذي لم ينصّ عليه القانون. أما في الحالة القائمة، والتي طارت معها كل الاصلاحات، فإنّ مجرّد طرح التعديلات على القانون، ولو كان بريئاً وعفويًا، يولّد خشية غير بسيطة من أن تكمن خلفه نوايا مبيّتة لفتح بازار التعديلات بالجملة على القانون من قبل جميع الأفرقاء، الذين لا يخفى على أحد أنّ الكثيرين منهم ليسوا راضين حتى اليوم عن القانون ولم يستوعبوا حيثيّاته.

ذرائع واهية؟

عمومًا، فإنّ هذه الخشية من فتح بازار التعديلات، وانعكاساته حتى على الانتخابات بذاتها، لا تأتي من عدم، ليس فقط انطلاقاً من تجارب التمديد السابقة، والتي يبدو أنّها تغري الكثيرين داخل السلطة لإعادة الكرّة، بل انطلاقاً من الواقع الحاليّ الذي تحوّلت معه الانتخابات إلى "رهينة" لا يتردّد الأفرقاء السياسيون في استخدامها كمادة ابتزاز لمعالجة قضاياهم، لدرجة لم يعد مستغربًا الخوف من أن تطيح أيّ أزمة تقع من الآن وحتى موعد الانتخابات، مهما بلغت هامشيّتها، بالاستحقاق الديمقراطي عن بكرة أبيه.

وإذا كان صحيحًا أنّ قانون الانتخاب يحمل بين طيّاته العديد من الثغرات ونقاط الالتباس التي تحتاج لمعالجة قبل موعد الانتخابات، فإنّ الذرائع التي تعتمد لإطلاق العنان للتعديلات تبدو برأي كثيرين واهية، وكأنّ المطلوب هو تعديل القانون في جوهره، تمهيدًا للإطاحة به ربما، خصوصًا بعدما تلا الكثيرون ممّن أقرّوه فعل الندامة على ما اقترفت أيديهم، بل ذهبوا لحدّ إعلان التوبة، علمًا أنّ هناك من يقول إنّ كلّ ما يحصل لا يعدو كونه "تمثيلية" يشترك فيها الجميع، وذلك لحفظ ماء الوجه من خلال الإيحاء للرأي العام بأنّ الاصلاحات "طارت" بفعل ظروفٍ قاهرة ليس إلا، وليس بفعل قرارٍ سياسيّ متّخذ على أعلى المستويات.

وفي وقتٍ يدلّ عدم حسم الخلافات التقنية حول تطبيق قانون الانتخاب على بعد أقل من أربعة أشهر من موعد الانتخابات على أن نهج المماطلة مستمرّ، فإنّه قد بات لزامًا على وزارة الداخلية بتّها وحسمها من دون إبطاء، لأنّها الجهة الوحيدة المخوّلة اتخاذ القرارات، وهي التي ستتحمّل مسؤوليّة أيّ تقصيرٍ يحصل، بعيدًا عن معزوفة "القرار السياسي" التي استُخدِمت سابقاً لتبرير التنصّل من إجراء الانتخابات الفرعية في طرابلس وكسروان، والتي كانت واجبة دستوريًا وقانونيًا، والمطلوب من الوزارة وضع حدّ لكلّ الجدالات والسجالات الحاصلة اليوم، والمباشرة بالاجراءات التطبيقية للقانون ومن دون أيّ إبطاء.

الوقت داهم...

أقلّ من أربعة أشهر تفصلنا عن انتخابات تجري للمرة الأولى وفق القانون النسبي، ولا يزال الأفرقاء السياسيون يتلهّون بالبكاء على أطلال إصلاحات طيّروها عن سابق تصوّرٍ وتصميم، ويناقشون تفاصيل شكليّة وإجرائيّة لتضييع الوقت ليس إلا.

وبعد، حان وقت إنهاء كلّ السجالات والجدالات، وإعطاء الضوء الأخضر لوزارة الداخلية لبدء العمل، خصوصًا أنّ التحديات التي تقبل عليها أكثر من أن تعدّ وتُحصى، في ظلّ قانونٍ لا يزال معظم اللبنانيين عاجزين عن فهمه، والمعنيّون لم يقوموا بواجباتهم على صعيد التثقيف الانتخابي الضروريّ حتى الساعة...