تكاد تبلغ أزمة "مرسوم ضباط دورة 94" الشهر من عمرها دون أي تعديل بمواقف فريقي الأزمة، فرئيس الجمهورية ​ميشال عون​ الذي تتحدث أوساطه عن لعبة "عض أصابع" لم يتخلّ عن موقفه الرافض لتوقيع وزير المال ​علي حسن خليل​ على المرسوم، ورئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ لا يزال مصرا على التوقيع باعتبار أن غيابه يعني مخالفة واضحة للدستور ال​لبنان​ي، ورئيس الحكومة ​سعد الحريري​ المنتظر جانبا اعادة الأمور الى مجاريها لما لهذا الأمر من تأثير سلبي على حكومته.

"بعد موقف رئيس الجمهورية في قدّاس الميلاد في بكركي تأزمت العلاقة مع بري الذي تقدّم أكثر من مرة باقتراح حلول تتوافق مع الدستور وعلى قاعدة أن "لا يموت الديب ولا يفنى الغنم" دون أن يتلقّفها عون"، تقول أوساط سياسية مقرّبة من عين التينة، مشيرة الى أن بري لا يستعجل الحل ولا يريد لأحد تصوير الأزمة وكأنها معركة يجب أن تنتهي بغالب ومغلوب، خصوصا وأن الغالب يجب أن يكون الدستور ولبنان أولا وأخيرا.

وتتابع المصادر أن بري يعلم أن السقف العالي الذي رسمه عون لموقفه من الأزمة الحالية يصعّب الحل كثيرا، "نظرا لأن القيمين على الملف بجانب رئيس الجمهورية أدخلوه في تفسيرات دستورية خاطئة"، خصوصا عندما تسمع مواقف المفسرين الكبار للدستور اللبناني أمثال ​إدمون رزق​ الذي قال في حديث لـ"النشرة" أن المادة 54 من الدستور واضحة وتقول بوجود مقررات لرئيس الجمهورية يشترك معه بالتوقيع عليها رئيس الحكومة والوزير او الوزراء المختصين، أما في المراسيم التي تتعلق بقبول استقالة او تعيين رئيس حكومة او قبول استقالة حكومة فهي تحتاج لتوقيع رئيس الجمهورية فقط، اما المراسيم التي تتعلق باصدار القوانين التي صدق عليها ​المجلس النيابي​ فتحتاج لتوقيعي رئيسا الجمهورية والحكومة.

ويضيف: "اذا كان يترتب على المرسوم أعباء مالية فيكون وزير المالية مختصا ويجب ان يوقع حسب المادة 54، ووزارة المال هي المرجعية التي تحدد إن كان يترتب على المرسوم أعباء ماليا أم لا"، مشيرا الى ان "القول ان القضاء يحكم بهذا الأمر هو دليل تفكّك بنيوي في السلطة وعدم وحدتها، اذ أن العلة الأساس هي بفقدان المشروع المشترك والبرنامج الموحد لهذه الحكومة ولهذا العهد، مؤكدا أن الجدارة والاستحقاق لهما مظهرا واحدا وهو ايجاد الحلول لا اختلاق المشكلات.

إن هذه الأزمة التي أثّرت بشكل مباشر على الجو السياسي القائم حاليا، ستؤثر سلبا على عمل الحكومة ونشاطها، كما على المزاج الشعبي الذي يتحضر لخوض معركة انتخابية على اساس قانون انتخاب نسبي للمرة الأولى في لبنان. لذلك لا يزال بري يبحث عن مخارج وحلول يقدمها الى عون مع علمه المسبق بأن احتمالات القبول بها قليلة جدا، لأن هناك من ذهب بعيدا جدا في فكرة "تغيير أو تعديل الطائف والدستور".

في هذا السياق تأتي مبادرة بري بالساعات الماضية حول هذه القضية والتي تحدّث عنها رئيس اللقاء الديمقراطي النائب ​وليد جنبلاط​. وهنا تكشف المصادر أن المبادرة التي حمّلها بري الى الوزير السابق ​وائل أبو فاعور​ لإيصالها الى القصر الجمهوري تقوم على فكرة "إعداد مرسوم جديد يضم أسماء ضباط الجيش دورة 94 الواردة أسماؤهم في "المرسوم المشكلة" الى جانب ضباط الأسلاك العسكرية الأخرى في نفس الدورة، أي ضباط قوى الأمن الداخلي والأمن العام وغيرهم، وتضمين المرسوم "منح الأقدمية" والترقيات" بالوقت نفسه، ليسلك طريقه باتجاه وزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير المال لتوقيعه، ومن ثم باتجاه رئيس الحكومة لطبع توقيعه عليه وأخيرا باتجاه رئيس الجمهورية للتوقيع النهائي".

وترى المصادر أن هذه المبادرة تعني انصاف كل الضباط من الأسلاك كافة وليس من سلك واحد فقط، وتطبيق الدستور لناحية تواقيع الوزراء على المراسيم وحل الأزمة القائمة بين رئيسي الجمهورية والمجلس كما ينص الدستور، مشيرة الى أن عون سيقبل بالمبادرة بحال كانت نية الحل قائمة، اما اذا كانت المسألة متعلقة فعلا بما قاله مؤخرا النائب ​آلان عون​ بأن "في لعبة عض الأصابع فليس رئيس الجمهورية من يقول آخ اولا" فهذا يعني أن فريق رئيس الجمهورية جعل من الأزمة الدستورية "معركة" سياسية شخصية لم ولن ولا يعتبرها بري موجودة.

لا تبدي مصادر مطلعة على الملف تفاؤلها في حل قريب، متوقعة أن يستمر التصعيد في الفترة المقبلة خصوصا وأن هذا التصعيد يُستثمر انتخابيا في الشارع اللبناني، فهل نكون أمام أزمة كبرى لن تقتصر تداعياتها على ما يُهمس حول ترشيح القيادي في ​التيار الوطني الحر​ بسام نصر الله في دائرة الزهراني؟.