لا يختلف اثنان على ان العلاقة بين ​اسرائيل​ و​الولايات المتحدة الاميركية​، لم تكن سمنا وعسلاً خلال الفترة التي تولى فيها الرئيس الاميركي ​باراك اوباما​ الرئاسة الاميركية. ولا شك ان وصول الرئيس الاميركي الحالي ​دونالد ترامب​ الى سدة الرئاسة في ​واشنطن​، اعطى هذه العلاقة زخماً افتقدته لفترة، ولو انه لم ينقطع او يهدد المبادىء الاساسية التي تقوم عليها هذه العلاقة والتي تضمن حماية اميركية لاسرائيل، لكن مواقف ترامب الاخيرة كانت اكثر من متقدمة بالنسبة الى اسلافه، واكثر من باهرة بالنسبة الى المسؤولين الاسرائيليين.

ولان العلاقة بين رئيس الوزراء الاسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ واوباما كانت متوترة، فقد كشف مسؤولون أميركيون سابقون (عملوا خلال عهد اوباما)، ان نتانياهو عرض على الاميركيين تقديم مساحة جغرافية من ​سيناء​ الى ال​فلسطين​يين، لكن الادراة الاميركية السابقة لم توافق على هذا العرض وشككت بمقومات نجاحه، اضافة الى تأثيره على المنطقة ككل.

سارع نتانياهو الى نفي الخبر، الّذي لم يكن مقنعاً، لان تاريخ هذا المسؤول الاسرائيلي ومواقفه المتطرفة، تضعه بوضوح في قفص الاتهام، خصوصاً وان المسألة تؤمّن له "راحة بال" من مشكلة الفلسطينيين المقيمين والنازحين الى دول اخرى، عبر ابعادهم عن ​تل ابيب​ و​القدس​ ووضعهم في سيناء. ومن نافل القول ان نتانياهو لم ولا يكترث ل​حقوق الفلسطينيين​ التي تضمنها ​الامم المتحدة​ من جهة، ولا الى حقوق المصريين من جهة ثانية، ولا الى تأثير مثل هذه الخطوة على المنطقة ككل من جهة ثالثة. فتواجد الفلسطينيين في سيناء، هو بمثابة اعتراف علني منهم اولاً ومن العرب ثانياً ومن العالم ايضاً بأن فلسطين لمتعد موجودة على الخارطة العالمية في الموقع الجغرافي الذي انطلقت منه، بل ستصبح دولة في سيناء، لتترسخ اسرائيل باعتراف شامل بالمساحة الجغرافية التي تسيطر عليها حالياً بفعل الاحتلال، فتسقط كل الحقوق الفلسطينية التي بقيت حيّة لعقود من الزمن (ولو دون تنفيذ)، وتزال بالتالي هموم كبيرة عن صدر المسؤولين الاسرائيليين، ليس فقط من ناحية المواجهات اليومية مع الفلسطينيين، بل ايضاً لجهة المناكفات الدبلوماسية والسياسية مع منظمات وادارات دول غربية.

اما اقامة دولة فلسطينية في سيناء، فستعني حكماً ان المصريين تخلوا عن حقوقهم وقدموا جزءاً من ارضهم للفلسطينيين كوطن بديل عن الوطن الاصيل، مع كل ما يعنيه ذلك من مشاكل مستقبلية توجبها اقامة دولة تتوسط دولتين، دون حلول سلام فعلي بينها. اذ سيبقى عدد من الفلسطينيين غير مقتنعين بالخطوة، وسيطالبون باستعادة حقوقهم بشتى الوسائل، وستبقى الحدود المفترضة بين اسرائيل وفلسطين وبين مصر وفلسطين عرضة للخرق المتكرر ولشتى انواع عمليات التهريب والتسلل، وستتحول هذه البقعة الى منطقة مشتعلة لا تعرف الطمأنينة، وسيخسر المصريون بالتالي موقعاً مهماً دون ان يربحوا السلام في المقابل.

وتطيح مثل هذه الخطوة ايضاً بكل المحاولات لاعادة لمّ الشمل الفلسطيني، فمن سيجبر الفلسطينيين المقيمين في الاراضي المحتلة على مغادرتها الى سيناء او اي مكان آخر؟ وهل ستكفي ​القوات الاسرائيلية​ والمصرية وحتى قوات فلسطينية ودولية، لتأمين السلام المنشود في هذه البقعة الجغرافية؟ وهل ان الجميع مستعد لتلقي خسائر بشرية مهمة جراء الاشتباكات او العمليات التي ستحصل على طول هذا الخط؟ وهل سيكون هذا الامر انتصاراً للغرب والعرب ام انتصار لاسرائيل فقط وفرضها للسلام الذي تريده على قياسها ووفق مصالحها؟.

يبدو ان المسؤولين الاسرائيليين ومنهم نتانياهو قد فهموا مبدأ الارض مقابل السلام بشكل خاطىء، فالارض التي يدور الحديث عنها ليست في سيناء او في ​الاردن​ او في اي مكان آخر، بل الارض اتي احتلتها اسرائيل بموافقة دوليّة وادت الى اشعال ​الشرق الاوسط​ لسنوات طويلة مع كل ما يعنيه ذلك من معاناة للشعب الفلسطيني ولشعوب الدول المجاورة. ويبقى السؤال عما ستكون عليه الاوضاع والجواب الاميركي لو كانت الادارة الحالية هي التي تلقت العرض الاسرائيلي؟.