قبل أشهر قليلة من موعد ​الإنتخابات النيابية​، المقررة في شهر أيار المقبل، يواجه رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ أزمة على مستوى الخطاب السياسي الذي سيتوجه به إلى جمهور تيار "المستقبل"، خصوصاً أنه لا يستطيع الإعتماد على ذلك الذي كان قائماً في الدورتين السابقتين، أي في العام 2005 و2009، نتيجة التحولات التي عرفتها الحياة السياسية في الأشهر الماضية.

في الوقت الراهن، يفضل الحريري الإبتعاد عن خطاب المواجهة مع قوى الثامن من آذار، لا سيما "​حزب الله​"، مفضلاً التركيز على المواقف التي تؤكد على أهمية الحفاظ على الإستقرار والوحدة الوطنية، لكن في الإستحقاق الإنتخابي قد لا يصب هذا الأمر في مصلحته، لا سيما في ظل الإختلاف بين الدوائر بالنسبة إلى العوامل المؤثرة فيها.

في هذا السياق، تشدد مصادر في كتلة "المستقبل"، عبر "النشرة"، على أن الحريري لن يتخلى عن الخطاب الجامع مهما كانت التداعيات، وهو حكماً لن يلجأ إلى المواقف الشعوبية التي تعتمدها بعض القوى والشخصيات المنافسة له على الساحة السنية، لكنها في المقابل ترفض الإتهامات التي توجه له بالتخلي عن الثوابت، فهو لم يبدل موقفه من سلاح "حزب الله" أو من تدخله في الحروب بالبلدان المجاورة أو من ​المحكمة الدولية الخاصة بلبنان​، لكن المصلحة الوطنية تتطلب التركيز على الملفات الإجتماعية أيضاً، في ظل المعاناة التي يواجهها المواطنون على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي، خصوصاً أن توتير الأوضاع السياسية لن يساهم في معالجة الملفات الخلافية.

من وجهة نظر هذه المصادر، هذا الخطاب لن يكون له تداعيات سلبية كبيرة، على عكس ما يتوقع الكثيرون، نظراً إلى أن المواطنين تعبوا من الخطابات التي تركز على الخلافات دون أن تؤدي إلى نتيجة، في حين هم يريدون معالجة ملفات النفايات والكهرباء والبطالة بشكل أساسي قبل أي شيء آخر، وتضيف: "التجربة أثبتت أن معظم الملفّات العالقة حلّها مرتبط بأزمات المنطقة ككل، وبالتالي لا داعي للإستمرار في سياسة الإنتظار والعرقلة إلى ما لا نهاية".

إنطلاقاً من ذلك، توضح المصادر نفسها أن قيادة التيار لم تحسم بعد موضوع التحالفات بشكل أساسي، وهي أيضاً لم تغلق الباب على أي إحتمال، باستثناء إستبعاد التحالف مع "حزب الله" الذي يتعارض مع المواقف المبدئية لـ"المستقبل" من جهة، وأضراره الكبيرة جداً من جهة ثانية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بعض القوى والشخصيات التي تحارب التيار مثل الوزير السابق ​أشرف ريفي​، وتتوقع أن يتم الإنتهاء من الدراسات التي يقوم بها المختصون خلال أيام قليلة، لكنها في المقابل تشير إلى أن إحتمالات التحالف مع "​التيار الوطني الحر​" هي الأقوى حالياً.

في الجانب المقابل، تشدد مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، على أن الخطاب السياسي، إلى جانب المال الإنتخابي، هو المشكلة الرئيسية عند تيار "المستقبل" اليوم، وتلفت إلى أن الأخير سيواجه هذه المشكلة في أكثر من دائرة، موضحة أن خصومه سيستفيدون من ذلك إلى أبعد حد، فالقوى والشخصيات المعارضة لـ"حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، خصوصاً في دائرتي طرابلس-المنية-الضنية وعكار، ستكون قادرة على رفع السقف عالياً لكسب التأييد الشعبي، في حين أن تلك الحليفة للحزب والتيار، مثل رئيس حزب "الإتحاد" الوزير السابق ​عبد الرحيم مراد​ وأمين عام "​التنظيم الشعبي الناصري​" النائب السابق ​أسامة سعد​، ستنطلق من خطاب الحريري الحالي لأخذ المعركة إلى مكان آخر، بعد أن كان ينطلق من تحالفاتها للهجوم عليه في السابق.

بالنسبة إلى هذه المصادر، هذا الواقع هو الأصعب في تاريخ تيار "المستقبل" السياسي، لكنها تشير إلى أنه قد يلجأ إلى الإستفادة منه على مستوى معركة رئاسة الحكومة بعد الإنتخابات النيابية، خصوصاً إذا ما كان التراجع في عدد أعضاء كتلته أكبر مما هو متوقع، نظراً إلى أن تسمية رئيس الحكومة المكلف مرتبطة إلى حد بعيد بالتحالفات السياسية على المستوى الوطني، الأمر الذي يتقدم فيه الحريري على مختلف الشخصيات الأخرى المرشحة لهذا المنصب.

في المحصلة، يواجه الحريري اليوم أزمة على مستوى الخطاب السياسي، المرتبط بالتحالفات التي أبرمها بعد التسوية الرئاسية، لكنه في المقابل يراهن على تلك التحالفات للبقاء في رئاسة الحكومة، إلا أن هذا لا يلغي الصعوبات التي تنتظره في الإستحقاق الإنتخابي، لا سيما بحال لم تعد علاقاته مع ​السعودية​ إلى سابق عهدها، وقررت الرياض في المقابل خوض مواجهة معه على هذا الصعيد.