يتغنى المسؤولون ال​لبنان​يون في كل مناسبة في الآونة الاخيرة، بأن لبنان تحول الى واحة للامن والاستقرار، وهو يختلف بذلك عن كثير من الدول العربية والغربية على حد سواء. وجاء الانفجار في صيدا يوم الاحد الفائت ليضع شكوكاً حول الموضوع، وحول ما اذا كان بالامكان ابقاء الكلام عن تميّز لبنان امنياً، في ظل تصاعد الكلام عن محاولات اميركية لزعزعة الوضع في ​سوريا​.

اللافت في التفجير الذي حصل، انه لم يكن دموي الطابع، بمعنى ان اهدافه لم تتمثل بإلحاق خسائر بشرية ومادية على غرار التفجيرات الارهابية السابقة في لبنان وباقي الدول. لذلك، اتخذت هذه العملية صفة شخصية كونها استهدفت شخصاً محدداً، والحمد لله انها لم تؤد الى اصابته، وبالتالي لا يمكن تصنيفها ضمن خانة عودة موجة التفجيرات التي عصفت بلبنان وعدد من الدول.

ووفقاً لهذا التصنيف، من المنصف القول ان الامن في لبنان لا يزال ممسوكاً، وان الجيش و​الاجهزة الامنية​ يقومان بدورهما كاملاً، وليس هناك من سبب يدعو الى الخوف والقلق من زعزعة الاستقرار الامني السائد. اما في ما خص التحذير الصادر عن ​السفارة الكندية​ لرعاياها بتجنب التواجد قرب ​الضاحية الجنوبية​ او في محيطها، فوضعته مصادر متابعة في اطار التحذيرات التي تفرط احياناً في المحافظة على سلامة الرعايا، وهو امر يعود تقديره للدولة المعنية، انما -تضيف المصادر- وفق المعطيات الموجودة والتقارير الواردة، فليس من اشارة تفيد بامكان عودة عقارب الساعة الى الوراء في هذا المجال. وذكّرت المصادر بما حصل قبل فترة قبيل نهاية العام الفائت، حين دعت دول اوروبية وكندية وغيرها رعاياها الى تجنب التوجه الى لبنان بسبب مخاطر امنية محتملة، وتبيّن ان كل هذه التحذيرات استندت الى توقعات سياسية وليس الى وقائع ميدانية او استخباراتية امنية، فقد تخوف مسؤولون اوروبيون وغير اوروبيين من عدم صمود لبنان امام الهزة السياسية التي كانت تحدق به، وانه من الممكن تطورها الى خضات امنية ستؤثر على الجو العام فيه. ولكن التوقعات سقطت، وبقي لبنان محافظاً على وضعه السياسي والامني. وربما يشكل الوضع السياسي الحالي، سبباً دفع بالكنديين الى التزام الامان، واعتبار ان المؤشرات السياسية قد تدفع الى تصعيد المواقف وربما تأجيل ​الانتخابات​ وقد تمهد الى هزة امنية تصيب الضاحية الجنوبية اولاً كونها الاكثر استهدافاً من قبل المنظمات الارهابية نسبة الى الدور الذي يقوم به ​حزب الله​ في سوريا واليمن.

هذا السيناريو يبقى غير مؤكد، اما التوقعات المشار اليها، فإذا صدق التفكير بها، فهذا لا يعني انها ستتحول الى واقع، لان "المياه كذّبت الغطاس" في المرة الاولى وستكذّبه ايضاً في المرة الثانية. اما المهم فيبقى في ان الوضع الامني اللبناني ثابت وراسخ، وانه رغم عدم الجزم بحصول اي خلل امني، يبقى البلد محاطاً بهالة امنية ثابتة وجهوزية متواصلة للحفاظ على ما تم كسبه في السنوات الاخيرة في هذا السياق. ولا يعد التفجير الاخير الذي شهدته صيدا، اثباتاً على ضعف استعداد الجيش والاجهزة الامنية لمواجهة اي خطر او تهديد، كما ان لا شيء يوحي بالتراخي في التدابير المتخذة حول المخيمات، لان العوامل الفلسطينية متقلبة وقابلة للتفجير، وهو ما تدركه تماماً السلطات اللبنانية التي اتخذت كل ما يلزم في هذا السياق، وعملت على التنسيق مع القيادات الفلسطينية المسؤولة، على الاحاطة بكل الامور التي من شأنها استغلال الفلسطينيين في معارك لا تعنيهم ولا تعني قضيتهم.

لا يمكن لاحد ان يجزم بأن الحوادث الامنية لن تقع في لبنان، ولكن من الظلم اعتبار لبنان غير آمن، في ظل الامتحانات التي نجح في تخطيها طوال الفترة السابقة، والتحديات التي واجهته وخرج منها بثقة وفاعلية كبيرة.