منذ إعلان كل من حزب "القوّات اللبنانيّة" و"التيّار الوطني الحُرّ" مجموعة من المبادئ تحت عنوان "إعلان النوايا" في العام 2015، تسعى مروحة واسعة من القوى والشخصيّات السياسيّة إلى ضرب وإفشال هذا التقارب "القوّاتي"–"العَوني"، إمّا بشكل علني أو من تحت الطاولة، وذلك لأسباب مُختلفة، تتراوح بين أسباب ومصالح شخصيّة ضيّقة جدًا من جهة، وأهداف كبرى لقوى سياسيّة ترغب في بقاء المسيحيّين بحال الوهن والضعف من جهة أخرى. وفي المرحلة الأخيرة، وبعد تراجع العلاقة بين "القوّات" و"الوطني الحُرّ" نتيجة خلافات على بعض العناوين السياسيّة، وتباين في أسلوب العمل في الحُكم، وإختلاف على الأحجام والأدوار في السُلطة، بدأت أكثر من جهة بنعي "إتفاق ​معراب​" الذي جاء كتتمّة طبيعيّة لإتفاق "إعلان النوايا" بين الطرفين، الأمر الذي إستدعى تحرّكًا جديدًا من جانب عرّابي التفاهم، أي كل من وزير الإعلام ​ملحم رياشي​ والنائب إبراهيم كنعان على خط ​الرابية​ ومعراب. فهل جرى فعلاً رأب التصدّعات التي حصلت، وهل نتجه إلى تحالف إنتخابي مُحتمل؟.

بحسب المعلومات المُتوفّرة، إنّ قيادتي "التيار الوطني الحُرّ" و"القوّات اللبنانيّة" على توافق تام أن لا عودة إلى الوراء في العلاقة الثنائيّة، وتحديدًا لا عودة عن المُصالحة التي تمّت بينهما، مهما واجها من تباينات ومن خلافات، وذلك لأنّ التفاهم بين "القوّات" و"الوطني الحُرّ" يتجاوز بأشواط ما يتمّ ترويجه إعلاميًا من أنّه مُرتبط حصرًا بإنتخاب العماد ​ميشال عون​ رئيسًا للجُمهورية في مُقابل مُشاركة "القوّات اللبنانيّة" بحصّة كبيرة في الحُكم، حيث أنّ الإتفاق بينهما إستراتيجي ويهدف خُصوصًا إلى طيّ صفحة الخُصومة الحادة وحتى الحقد على المُستوى المسيحي إلى غير رجعة، وإلى منع إستضعاف المسيحيّين وقضم حُقوقهم بالمُشاركة السياسيّة من الندّ للندّ مع باقي الشُركاء اللبنانيّين على المُستوى الوطني العام.

وبحسب مصادر على بيّنة من المُحادثات واللقاءات التي تمّت أخيرًا بين "التيار الوطني الحُرّ" و"القوّات اللبنانيّة" إنّ العمل قائم حاليًا لمُعالجة الثغرات التي ظهرت على المُستوى الميداني والتطبيقي بين الطرفين، وفق مُقاربات جديدة تكفل حق الإختلاف السياسي بين حزبين مُستقلّين، وحقّ التباين في النظرة إلى المواضيع وفي الرؤى في مُختلف المجالات، لكنّها تضمن في المُقابل منع العودة إلى الخلل الإستراتيجي الذي كان قائمًا على الساحة اللبنانيّة منذ ​إتفاق الطائف​ حتى الأمس القريب، وخاصة على مُستوى التوازنات الطائفيّة والسياسيّة. والقرار محسوم بين الطرفين بأنّ مرحلة قضم حُقوق أساسية للمسيحيّين، وتغييبهم عن المُشاركة الفعّالة في الحُكم والسُلطة، وحتى تقسيمهم وجرّهم من موقع ضُعف إلى تحالفات محلّية وإقليميّة، صارت من الماضي الذي لا يُمكن العودة إليه.

وأشارت المصادر المُتابعة للمُحادثات واللقاءات التي عادت ونشطت على خط معراب-الرابية، إلى أنّ العمل قائم على ​البناء​ مُجدّدًا على القواسم المُشتركة بين القوّتين السياسيّتين الرئيسيّتين على الساحة المسيحيّة، في ظل تفاهم تام بضرورة الحفاظ على التعاطي الراقي إعلاميًا بين الطرفين، وضرورة عدم الإنزلاق إلى مُهاترات من شأنها تعكير صفو العلاقة من جديد، لما لهذا الأمر من إيجابيّات على مُستوى إستمرار تبريد الأجواء في الوسط المسيحي مع كل الإنعكاسات الإيجابية لذلك على الوسط اللبناني العام. وأكّدت المصادر نفسها أنّه وبغضّ النظر عن موعد إجتماع كل من رئيس "التيار الوطني الحُرّ" ​جبران باسيل​ ورئيس "القوات اللبنانيّة" ​سمير جعجع​، إنّ وتيرة التنسيق بين الطرفين إرتفعت من جديد، والتشاور سيكون مَفتوحًا مُجدّدًا لإفشال مُحاولات التفريق المُتعمّدة من أكثر من طرف.

وبالنسبة إلى إحتمال التحالف في الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، نفت المصادر نفسها وُصول المُحادثات القائمة بين "القوّات" و"الوطني الحُرّ" إلى هذه المرحلة، خاصة وأنّ التموضعات والتحالفات الإنتخابية لم تتبلور بصُورة واضحة بعد لدى العديد من القوى والجهات السياسيّة. وأشارت إلى أنّ التحالف بين قوى سياسيّة كبرى ضمن نفس الطائفة أو المذهب قد لا يكون مُفيدًا وفق ​قانون الإنتخابات​ الجديد. وأضافت أنّه في كل الأحوال، وحتى لو تنافس "التيّار" و"القوّات" في مُختلف الدوائر الإنتخابيّة، فإنّ الطرفين مُتفقان من اليوم على أن يكون هذا التنافس راقيًا وديمقراطيًا وبعيدًا عن أي عدائيّة أو تهجّمات.

وفي الخلاصة، قد يكون من المُفيد التذكير بجزء ممّا جاء في "إعلان النوايا" في حزيران 2015: "ولمّا كان حزبا التيّار الوطني الحُرّ والقوّات اللبنانيّة قد أجريا مُراجعة للعلاقة التي سادت بينهما خلال أكثر من ربع قرن وذلك من أجل تنقية الذاكرة من مناخات الخُصومة السياسيّة التي طبعت تلك العلاقة، والتطلّع بالتالي نحو مُستقبل يسوده التنافس السياسي الشريف و/أو التعاون السياسي"، للقول إنّ مسؤولية "الوطني الحُرّ" و"القوّات" كبيرة في الحفاظ على ما جرى إنجازه بين الطرفين، لأنّ علاقتهما تنعكس بشكل مُباشر على العلاقات بين أفراد المُجتمع المسيحي وتؤثر على مُجمل المُجتمع اللبناني، ما يستوجب بقاء هذه العلاقة إيجابيّة مهما كانت الصُعوبات.