يبدو أنّ زيارة وزير الخارجية السعودي ​عادل الجبير​ إلى ​الولايات المتحدة الأميركية​ منذ أيام لم تنتج ما كان متوقعاً من الجانب السعودي. تمّت الزيارة في فترة زمنية تبدّلت فيها الرهانات الإقليمية والدولية حول مستقبل ​سوريا​، ​العراق​، ​اليمن​، ​ليبيا​، ​لبنان​ قطر و​فلسطين​. خُلِطت الأوراق.

الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ اتخذ قرارا أحادي الجانب بالتوقيع على قانون نقل السفارة الأميركية إلى ​القدس​ معلناً اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بها عاصمة ل​اسرائيل​. أُحرِجت ​السعودية​ أمام أشقائها العرب. هي التي كانت قد استقبلت ترامب وعائلته في قمة عربية مهيبة. أعلنت رفضها لهذا القرار .

تردّدَ نتيجة المحاباة العلنية والسرية التي توطّدت فيما بين السعودية واسرائيل أن حلفاً عسكرياً أميركياً-اسرائيلياً-عربياً (بقيادة السعودية) على غرار الناتو يُراد تشكيله لضرب "الإرهاب" في سوريا وغيرها.

حضر ترامب الى السعودية، وقّع معها اتفاقيات بمليارات الدولارات. تمّ إعلان ايران دولة "إرهابية". تحفظت بعض الدول العربية، رفض بعضها الآخر. بالنتيجة، رسّخت القمة السعودية و​أميركا​ حليفتين استراتيجيتين. لا شك أن البلدين اعتبرا في حينها أنهما أنجزا نجاحاً في ترميم ما كان الرئيس السابق ​باراك أوباما​ قد زعزعه. عاد ترامب إلى بلاده وبجعبته صفقات بالمليارات ورضى دول نفطية غنية يملي عليها ما يريد. استمرّ في وعوده الدولية المبنية على استراتيجية "سياسة الوهم" المقصودة طبعا.

لكن، أُحرِجت إدارة ترامب مؤخراً من مسألتين أساسيتين مرتبطتين بالسياسة السعودية، ما أدّى الى اعتراضات في الكونغرس وهما:

أوّلاً: الحالة الإنسانية المأساوية في اليمن وارتباطها بالحصار السعودي.

ثانياً: النتائج العكسية للتدخل السعودي في الشأن اللبناني لا سيما لجهة نتائج استقالة رئيس الحكومة اللبنانية ​سعد الحريري​ المحلية والدولية.

يتردّد أن الجانب الأميركي أبلغ السعودية بواسطة وزير خارجيتها رفض الولايات المتحدة استمرار الوضع الإنساني الحالي في اليمن ووجوب وضع آلية لفك جزئي للحصار.

إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان منذ فترة قد اتخذ قرارا بإبعاد صهره عن البيت الأبيض، على خلفية اتصالات ومقررات اتخذها مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، سُرِّب إلى الإعلام الأميركي أن ترامب كان يجهل مضمونها. هل هذا صحيح؟ أم أنّ الرئيس "الغاضب، الناري"، كما يصفه مستشاره الأسبق ستيف بانون في كتابه، يتنصل بهذا الأسلوب من تبِعات سياسة بن سلمان؟!. الأرجح أنّ الاحتمالين صحيحان. ولكن، في المشهد الآخر نستشفّ من الوقائع المذكورة أعلاه وممّا يحاك في كواليس السياسة الدولية، أنّ العلاقة السياسية الأميركية السعودية إلى تباعد وذلك للأسباب التالية:

أوّلاً: إنّ الكونغرس الأميركي يدرس قانونا يتيح للولايات المتحدة التعاقد مع السعودية لبيعها تكنولوجيا لإنشاء مفاعل نووي تُقدّر قيمته بمليارات الدولارات. من المستبعد أن يتمّ التوافق في الكونغرس على سنّ هذا القانون، ما سيدفع السعودية إلى البحث عن موردٍ آخر مع كل ما يستتبع ذلك من نتائج عكسية على علاقة البلدين.

ثانياً: إنّ استحالة الوحدة في الموقف من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بين السعودية وأميركا بشكل عام وبقضية القدس بشأن خاص وارتدادات ذلك على العلاقة الأميركية-الإسرائيلية، سيدفع تدريجياً الى التباعد الذي ذكرنا، لا سيّما بعد ان بدا جلياً من الأحوال اللبنانية الأخيرة والتهويل بالحرب على ​حزب الله​، أن أميركا ليست بوارد الدخول عسكرياً في أيّ حرب مع اسرائيل في المنطقة.

ثالثاً: الإبقاء على الإتفاق النووي مع ايران رغم التهديد والوعيد بإلغائه من قبل الرئيس الأميركي، كشف أن الولايات المتحدة الأميركية لا تسعى إلى التباعد مع الإتحاد الأوروبي كرمى لعين السعودية لا بل أكثر من ذلك، ربّما سنشاهد ترامب يصرح أنه لا مانع لديه من التحادث مع الرئيس الايراني حسن روحاني كما أعلن بالنسبة للرئيس الكوري الشمالي. إنّ رفض السعودية واقع تزايد النفوذ الايراني والتخوف على أمن إمداداتها النفطية سيخلط الأوراق أكثر في ما خصّ الحلف الوطيد مع أميركا.

رابعاً: إقدام الرئيس الأميركي في عهده هذا على توجيه ضربة عسكرية الى ايران بقرار أحادي أو توافقي مع العهد السعودي الحالي سيؤدي الى مخاطر وتهديدات تطال الأمن النفطي والأمن الداخلي السعودي. فشل هذه الضربة العسكرية لن تكون نتائجه أقل سلبية من نتائج فشل السياسة الأميركية في العراق، مع تداعيات أسوأ على السياسة السعودية سواء تدخلت عسكريا ام لم تفعل. ما سبق جزء من فيض يرمي الى تباعد العلاقة السعودية-الأميركية. يبقى أن مسألة المجموعات المتطرفة الاسلامية المنتشرة حول العالم وجذورها والتهديد بمشاريع القوانين الدولية الآيلة الى تصنيف العديد منها بالإرهاب، كما تعهد السعودية بمكافحة بعض التيارات المتشددة والحدّ منها. وأيضاً، أسعار النفط العالمي الذي تلتزم السعودية بعدم المخاطرة به تماما كما التزام أميركا بالحدّ من انتاج طاقات بديلة للنفط؛ كلّها قضايا جوهرية أساسية تبقي حتى الساعة العلاقة الثنائية بين البلدين على سكة واحدة . ولكن، في المقلب الآخر من العالم قوى بديلة وطاقات رديفة ومصالح جديدة تُبنى، وكذلك المحاور.