لا شكّ أن إجراء الانتخابات النيابية المرتقبة، على أساس القانون النسبي، ألغى المحادل الانتخابية، وأسهم في الحدّ من أن تكون "الوكالات الحصرية" في تمثيل المكوّنات اللبنانية في البرلمان العتيد، في يد جهاتٍ سياسيةٍ معينةٍ، لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة. هذه المعادلة كانت تنطبق خصوصاً في الساحة السنية حيث أدت الحوادث الأمنية والتطورات السياسية في لبنان والمنطقة، إلى شبه حصر للتمثيل السني بتيار "المستقبل" وحلفائه في انتخابات عامي 2005 و2009.

وبما أن طرابلس تشكّل الثقل السني الأكبر في لبنان، بدأت تظهر فيها تعددية سياسية وحزبية، تعكس الواقع الجديد الذي قد ينجم أولاً عن الاستعداد لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي، وثانياً عن نتائجه المتوقعة. كذلك أفضى إقرار القانون المذكور إلى خللٍ ضمن "البيت المستقبلي" الواحد الذي ينقسم إلى ثلاثة اتجاهات: تيار المستقبل، الوزير محمد كبارة والنائب محمد الصفدي، واللواء أشرف ريفي، ما

سيؤدي إلى منافسة بين هؤلاء الأفرقاء عبر صراع خفي ربما، قد يتطوّر الى علني كلما اشتدّ وطيس المعركة الانتخابية.

وبدأت الانعكاسات السلبية لهذا الخلل على أبناء "البيت الواحد" تظهر إلى العلن من خلال الصراع بين الرئيس سعد الحريري وريفي، والذي تطوّر إلى شنّ حملات إعلامية متبادلة، وافتعال حوادث أمنية مرشّحة للتفاقم، بحسب مصادر حزبية طرابلسية مطّلعة على مجريات الأوضاع.

ويحاول ريفي من خلال هذه الحوادث، تصوير نفسه أمام المجتمع الطرابلسي، بأنه يتعرّض لمظلمة، بهدف استمالة عواطفهم، وكسب أصواتهم، على حدّ تعبير المصادر عينها. وترجّح أن يصّعد وزير العدل السابق حملاته الإعلامية ضد محور المقاومة، للتمايز عن التيار الأزرق ومواقفه وتموضعه السياسي الراهن، وذلك للغاية المذكورة أي نيل "عطف" الطرابلسيين.

أما الحريري، فيبذل قصارى جهده لجوجلة الأسماء التي سيعتمدها لخوض المعركة النيابية، وتحديداً في الشمال، لكي تتفرّغ للمعركة وتحشيد أكبر عدد من الناخبين لمصلحتها، على ما يؤكد مرجع طرابلسي.

ولهذه الغاية، قد يتخلّى رئيس الحكومة عن ترشيح النائب كاظم الخير، في منطقة المنية لمصلحة أحد المرشحين من آل علم الدين، كونها العائلة الأكثر عدداً في المنطقة المذكورة، ودائما بحسب المرجع.

وفي شأن توجّه الرئيس نجيب ميقاتي الانتخابي، لا مصلحة له منطقياً بالتحالف مع "التيار الأزرق"، فمن المؤكد أنه لن يقبل بأن يكون مجرّد اسم على لائحة الحريري، وهو أيضاً ليس في صدد التقارب مع ريفي، ويبدو أقرب إلى فريق 8 آذار، ومتناغماً مع الوزير السابق فيصل كرامي والنائب السابق جهاد الصمد. أضف إلى ذلك أن رئيس الحكومة الأسبق، يشكّل الواجهة والرافعة لأي لائحة انتخابية، قد يترأسها. ناهيك عن الجانب التقني الذي يتعلّق باحتساب عدد المقترعين لمصلحة كل لائحة، وتوزيع المقاعد على اللوائح، وأيضاً من سيكون أول الرابحين، ما يحفّز ميقاتي أكثر على عدم التحالف مع "المستقبل".

وسط هذه الصورة، ظهر لاعب جديد على الساحة الطرابلسية، يدفع في اتجاه قيام تحالف بين ميقاتي، كرامي، الصمد، تيار المرده، والنائب السابق جان عبيد الذي له روابط اجتماعية وصداقات مع غالبية الطرابلسيين، بحسب ما تؤكد مصادر عليمة. وتكشف أن هذا اللاعب هو رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ الذي يسعى الى إقامة تحالف نيابي يؤازره في الاستحقاقات المقبلة، كانتخابات رئاسة البرلمان، وتسمية رئيس حكومة ما بعد الانتخابات، وسواها. كذلك يسعى من خلال هذا التحالف إلى تأمين توازن سياسي مع

الرئيسين العماد ميشال عون وسعد الحريري، وهذا لا يزعج حزب الله، برأي المصادر، كونه لا يمسّ استراتيجياً بالحزب.

إضافة إلى الجهات الثلاث المذكورة آنفاً، أي الحريري، ميقاتي، وريفي وحلفائهم، هناك أيضاً حالة قيد التبلور، وهي المجتمع المدني الذي يسعى جاهداً لخوض الانتخابات على امتداد الأراضي اللبنانية.

في الخلاصة، قد تشهد دائرة طرابلس – الضنية – المنية، معركة انتخابية بين أربع لوائح تتنافس على أحد عشر مقعداً نيابياً ستكون من حصة هذه اللوائح، بداية وفق الحاصل الانتخابي الذي سيحقّقه كلٌّ من أفرادها، وثانياً وفق الأصوات التفضيلية التي سيحصل عليها المرشحون.