لم تتأخر روسيا بالثأر من ​تركيا​ رداً على تورُّطها بواقعة الهجمات المسلحة التي استهدفت قاعدتها العسكرية في حميميم. فرغم تبرئة الرئيس فلاديمير بوتين العلنية لها من التورُّط بتلك الهجمات، إلا أنه سدد ودمشق ضربتين قاسمتين لها، تجاوزتا توقعات أنقرة. الاستخبارات الروسية التي رصدت منطقة انطلاق الهجمات، والتي تبعد عن حدود لواء اسكندرون 14 كلم فقط، تخضع بالكامل لمسلحي "الحزب الإسلامي التركستاني"؛ التابع للاستخبارات التركية، آثرت الردّ الأولي على رسالة أنقرة بغارات عنيفة شنّتها المقاتلات الروسية على تلك المنطقة، التي عملت تركيا على تسخيرها حصراً للمسلحين التركستان وقادتهم وعائلاتهم، ومؤازرتهم بدعم مباشر من ضباطها على مدى سنوات الحرب السورية، ما تسبب بـ"مقتلة" جماعية في صفوفهم، بينهم قادة ميدانيون، إضافة إلى عدد من الضباط الأتراك، ألحقت بتدمير مكان تجميع الطائرات المسيَّرة بالكامل، حسبما أكدت معلومات مركز "فيريل" الألماني للدراسات.

على أن الضربة الأخرى التي سبقتها ونالتها أنقرة لم تكن أقل قساوة، فالجيش السوري لم يكتفِ بصد الهجوم المسلّح العنيف باتجاه مواقعه - والذي اتكأت فيه تركيا على مقاتلي "الحزب الإسلامي التركستاني" أيضاً ونخبة قادته لدعم هجوم"النصرة" - واستعادة الجيش زمام المبادرة سريعاً ليحسم المعركة بوقت قياسي، بل ردّ الصاع صاعين، من خلال قتل عدد من القادة الميدانيين التركستان، ومن "جبهة النصرة"، بينهم القائد الميداني البارز إبراهيم كحلول عليان، الذي لطالما اعتمدت عليه الاستخبارات التركية في قيادة الهجمات المسلّحة الضخمة.

إلا أن أكثر ما أثار حَنَقَ أنقرة وجاء خلافاً لكل توقعاتها، تمثّل بالخرق الاستخباري السوري لجدار التنظيمات المسلّحة الدائرة في الفلك التركي تحديداً، عبر عرض صور من داخل بلدة سنجار قبل تحريرها، وقد كُتب على جدرانها "سنجار قاب قوسين أو أدنى.. وما خفي أعظم"، قبل أن تعود الصفحة الخاصة بالعمليات العسكرية لـ"قوات النمر"، وتنشر يوم الخميس الماضي صور عناصر في الاستخبارات السورية من داخل بلدة عنجارة هذه المرة، وهي من أكبر معاقل "حركة نور الدين الزنكي" في ريف حلب الغربي، وليليها الإثنين الماضي نشرصور تناقلتها مواقع معارضة، وتُظهر من يُفترض أنه أحد قادة "جبهة النصرة"يسير جنباً إلى جنب مع عناصر الجيش السوري في منطقة جبل الحص خلال تحريرها.. هي رسائل عسكرية سورية "صادمة" إلى من يهمّه الأمر، مفادها "عيوننا مزروعة داخل معاقلكم"!

وعلى وقع مواصلة أنقرة تعزيز قواتها في ولاية هاتاي الحدودية، تمهيداً للبدء بعملية عسكرية ضد الانفصاليين الأكراد في عفرين، برز إعلان ناري من تحالف واشنطن يقضي بتشكيل قوة أمنية سيتمّ نشرها على حدود تركيا والعراق، وعلى طول الفرات، قوامها ثلاثون ألف مرتزق، ونواة قيادتها ميليشيا "قسد".. هو سيناريو لا ينفصل عن المخطط الأميركي - "الإسرائيلي" ضد سورية وإيران وحزب الله، وبمعنى أوضح، تريد الإدارة الأميركية "تسييج" حدود الدولة الكردية المزعومة في الشمال السوري، وإعادة سيطرتها على الطريق الواصل من طهران إلى بيروت، وهي باشرت بالتحضير لهذا المخطط فعلياً منذ تشرين الثاني الفائت، عبر إرسال شحنات حَوَت مئات الأطنان من الأسلحة الثقيلة إلى ميليشيا "قسد"، بهدف تحويلها إلى ما يشبه "جيشاً نظامياً"، يؤهّلها بالتحضر لمواجهة شرسة مع الجيش السوري والقوات التركية، حسب معلومات سبق وكشفها موقع "غلوبال ريسيرش" الكندي منذ شهرين ونيّف.

الموقع الذي أماط اللثام في الثالث من تشرين الثاني المنصرم، عمّا سمّاه"مخطط أميركي لشنّ حرب مدمرة مرة أخرى في سورية"، انطلاقاً من الشمال السوري، ونواة تنفيذه الانفصاليون الأكراد، مبيّناً أن كميات ضخمة من قاذفات الصواريخ المضادة للدبابات، والصواريخ الحرارية، اشتملت عليها شحنات الأسلحة الأميركية لـ"قسد"، رجّح أن تكون عفرين وجهة العملية العسكريةالتركية الأولى، على أن تتجاوزها أنقرة باتجاه المناطق الكردية داخل حدود السيناريو الأميركي الجديد للدولة الكردية المزعومة، وهو ما ألمح إليه أردوغان يوم الإثنين الماضي، متوعداً القضاء على الجيش الذي تشكله أميركا قبل أن يولد، قائلاً إن "العملية العسكرية التركية في عفرين قد تبدأ في أي لحظة، ومن ثم سنتوجه إلى مناطق أخرى".. في نفس الوقت،كشفت تقارير صحفية فرنسية أن الاستخبارات التركية أوكلت مهمة ستترجم في الشمال السوري في غضون المرحلة القريبة المقبلة، ستمثّل حدثاً عسكرياً غير متوقع، ربطاً بـ"التناتش" الحاصل بين أنقرة وواشنطن. وعليه، بات التقرُّب من دمشق، والانخراط الفعلي في قطار روسيا وإيران دون أي مناورات ولعب على الحبال، مصلحة كبرى لأنقرة لمواجهة الأميركي الذي يريد إدخال رجب طيب أردوغان بمعركة استنزاف طويلة مع الانفصاليين الأكراد في المستنقع السوري، سيما أن موسكو توعّدت بـ"الردّ المناسب" على السيناريوالأميركي الخطير"الذي يناهض الوجود الروسي في سورية"، مسبوقاً بكلام لافت صدر على لسان أحد كبار الباحثين الروس في مركز الدراسات العربية؛بوريس دولغوف، لم يستبعد فيه أن تستمر الهجمات الإرهابية على قاعدة حميميم بشكل تصاعدي، وبأساليب أميركية خطيرة..

ثمة معلومات صحافية ألمانية ألمحت إلى ترجيح أن تسدد موسكو ضربة أولية باتجاه واشنطن في سورية، عبر القبض على "كنزها الثمين" أبو بكر البغدادي؛ زعيم "داعش" الذي رصدته الاستخبارات الروسية والسورية موجوداً في آلية عسكرية "داعشية" شرق بلدة الخابور؛ بعد البوكمال، "بحماية أمنية مشددة".

المعلومات التي أكدت أيضاً طلب شخصية أمنية تركية رفيعة المستوى الإثنين الفائت لقاء "هاماً" مع مسؤولين أمنيين سوريين "لأمر طارىء" يهمّ مصلحة البلدين، كشفت عن قرار عسكري سوري - روسي - إيراني كبير، قد تنخرط فيه أنقرة، رداًعلى السيناريو الأميركي، على وقع حدث عسكري تركي"مباغت" يخرق معارك إدلب، وتزامنت مع تقارير روسية استندت إلى مصدر بالسفارة الروسية في دمشق، اكتفت بالإشارة إلى "مفاجأة" عسكرية "من العيار الثقيل"، أودعها الرئيس فلاديمير بوتين في سورية، ستشكّل حدثاً "غير مسبوق" هذا العام في سورية والمنطقة.