رأى رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر في مداخلة ألقاها، في الجلسة الثانية من مؤتمر الازهر العالمي لنصرة القدس، بعنوان المسؤولية الدولية تجاه القدس"، أنه "غير منطقي هو المشهد المطروح على بساط التاريخ لابناء ابراهيم أبي الآباء، عندما لا يشهدون معا وأمام العالم أجمع لرحمة الله الواسعة، ولا يلتقون على القدس بيت عبادة لوحدانيته ورمز سلام للبشرية المتعطشة بكل أطيافها الى السلام"، لافتا الى أن "هؤلاء هم أبناء إسحق والوعد، لا بأمة تسود على الامم، فهذه ليست من مقاصد الله بشيء ولا بأرض يستأثرون بها دون سواهم، لان الارض كلها للرب، بل ليحيوا إيمانهم دون إكراه ويقدموا على فتح قلوبهم وعقولهم لمشاركة الناس فرح الحياة"، مضيفا: "وهم أبناء اسماعيل الذي أبعد مع هاجر أمه والذي أخذ سره الى الصحراء ليعود من ثم الى ساحة الارض، أبا لامة كبيرة ومطالبا بحقوق ابنائه في العائلة الابراهيمية الشاملة وضمن منظومة سائر الشعوب، وسوف لن يستقيم التاريخ الا بإعادة الحق الى نصابه والعدل الى محرابه في جو أخوة انسانية تسهم في قيامها كل الحضارات".

وأضاف: "وهم ايضا اولاد ابراهيم، لا بصلات الارحام، بل بالايمان وفعل الروح الذي يجمع الناس من الرياح الاربع ويؤلف بين قلوبهم وينشر سلامه فوق الربوع فيتحول البشر جميعا الى عيال الله الآمنة برضوانه والسائلة لأنعمه وبركاته".

واشار الى أنه "هكذا شاء الله سبحانه وتعالى أن تتكون القدس عبر التاريخ وان تصير رمزا للسلام النازل من العلى، ومكانا يجمع اهل الايمان فيها ليشهدوا معا لهذا السلام ويعملوا من اجل إحلاله في الارض، وقد شيدت في رحابها أهم الرموز الدينية لابنائها، من الهيكل قديما الى ​كنيسة القيامة​ والى ​المسجد الاقصى​، فصارت مدينة مقدسة لا يجوز ان يدخلها الناس الا خاشعين. فهم يحجون اليها حجا وليس لاحد ان يغتصبها اغتصابا".

ولفت الى اننا "مدعوون الى ان نقول الامور بصراحة حول مصاعب هذه العائلة الابراهيمية ومتاعبها في الزمن الحاضر"، لافتا الى إن "ال​اسرائيل​ييين الذين يحتلون القدس راهنا هم الذين يرفضون تاريخها بمراحله الكاملة، هذا فيما التاريخ لا يتجزأ، بل يأخذ معناه عبر تطوره وعلى مدى الاجيال المتعاقبة على صنعه"، مضيفا: "المحتلين هؤلاء قد أنكروا تاريخ القدس حتى في المرحلة السابقة لوصول داود اليها وإقامتها عاصمة لمملكة ارضية بناها بغير رضى من ربه، لان الانبياء حذروه من مملكة بشرية قد تعرض اهلها لنسيان الله الذي يجب ان يبقى مليكهم الاوحد وقد رفضوا بالتالي تطورات القدس في المرحلة اللاحقة لحضورهم فيها، وانفتاحها على سائر ابناء ابراهيم الذين انتموا اليها. فلا هم قبلوا ب​حقوق المسيحيين​ كاملة في المدينة ولا بحقوق المسلمين، سواء في القدس أم في سائر ارض ​فلسطين​"، مضيفا: "فكيف أقبل انا المسيحي الا استطيع الحج الى المكان الذي افتدى فيه السيد المسيح الانسانية وقام منتصرا على العداوة وعلى الموت، واطلق من قبره المفتوح في اليوم الثالث عهدا للبشر جديدا؟ وكيف يقبل اخي المسلم ان تنتهك مقدساته في مدينة الاسراء والمعراج التي اتخذها اولى القبلتين لصلاته وثالث الحرمين؟ هذا فيما كانت للمسلمين اياد بيضاء في تاريخ القدس ومواقف تسجل مع اسماء اصحابها بأحرف من ذهب فمن لا يذكر الخليفة عمر، رجل العدل بامتياز، الذي دخل القدس ووقف امام كنيسة القيامة رافضا ان يصلي فيها لئلا يطالب صحبه فيما بعد بالمقام، اذا ما صلى هو فيه وهو خليفة المؤمنين؟ ان هذا الكبير في العرب و​الاسلام​ قد رسم للمسلمين من بعده ولغير المسلمين خطا في احترام الاديان ورموزها ومقدساتها، حبذا لو اخذ منه العبرة اهل الشرق والغرب معا حتى في ايامنا، وكل مؤمن ومؤمنة من اولاد ابراهيم! فأين الصهاينة من احترام المقدسات هذه وما تمثل في وجدان اهلها الكرام؟ وهل ننسى نحن المسيحيين ان مفاتيح كنيسة القيامة بالذات هي اليوم ومنذ مئات السنين في عهدة عائلة مسلمة تؤمن الدخول اليها لمجمل طوائفنا بأمانة كلية وبدقة لا توصف"؟".

وأكد أنه "في وهج هذه الحقائق، وامام إعلان القدس من قبل الرئيس الاميركي عاصمة لاسرائيل وحدها، نستنكر كل الاستنكار هذا القرار الذي اتخذه صاحبه دون وجه حق، وبتزوير لتاريخ القدس الشريف وبتشويه لرسالة مدينة السلام في العالم بأسره"، معلنا ان "هذه المدينة ليست ملك رجل ولا ملك دولة ليتم التصرف بها على هذا الشكل المرفوض، وانه كان حريا برئيس الدولة التي تستضيف على ارضها جمعية ​الامم المتحدة​ ان يحترم المقررات الدولية بشأن القدس وفي مقدمتها القرار رقم /181/ (شهر تشرين ثان عام 1947)، الذي قضى بوضع القدس تحت نظام دولي بحيث تكون المدينة المقدسة جسما منفصلا له وضعه الخاص. وقد استمر العالم كله على هذا الموقف منذ هذا التاريخ، رافضا ان تعلن القدس عاصمة لاسرائيل ومتمسكا بحقوق جميع اصحاب الحقوق في المدينة المقدسة"، مشددا على انه "عندما قامت اسرائيل باحتلال الارض العربية في فلسطين كلها، وبدلت وضع الهدنة مع الفلسطينيين والعرب بالقوة ومن طرف واحد، بقي العالم متمسكا بحقوق العرب والفلسطينيين بالقدس وبضرورة التوصل الى السلام بالتفاوض والقبول المتبادل لاي وضع نهائي".

وشدد على انه "اليوم يأتي قرار نشاز يصدر عن رئيس دولة متفرد ضاربا به كل فرص السلام ومشوها تاريخ القدس ورسالتها الانسانية والروحية، ومطيحا بحقوق الفلسطينيين المشروعة كلها"، مشيرا الى أن "هذا الموقف غير الموصوف أثار ردود فعل عالمية تمثلت برفض غالبية دول الارض له في الجمعية العامة للامم المتحدة وتبرم دول مجلس الامن كلها حيال هذا التصرف غير المسؤول"، داعيا الشعب الاميركي الى "تصحيح خطأه بل الى إلغائه بالسبل المتاحة وباسم العدالة الدولية واحترام القيم الروحية العالية التي تحفظ لهذا الكون رونقه ومعناه"، وداعيا ايضا "المسيحيين والمسلمين في العالم الى مزيد من التصافي والتضامن في ما بينهم، فهم وحدهم يشكلون نصف سكان العالم، وكل توافق بينهم يرجح في الدنيا غلبة الخير على الشر، ونصرة الحق على الباطل ولا يغيبن عن ضمائركم ان الحق من الله وله الغلبة في النهاية وان الباطل كان زهوقا".