تسارعت في اليومين الاخيرين، التصاريح والمواقف الاميركية الصادرة عن اكثر من مسؤول رسمي وفي مقدمهم وزير الدفاع الاميركي ​ريكس تيلرسون​، حول اهمية واستراتيجية بقاء قوات عسكرية اميركية في ​سوريا​ بعد انتهاء الحرب فيها. الذريعة التي اعطاها تيلرسون كانت متوقعة وهي منع عودة الارهاب والحرب الى هذا البلد، ولكن ما لم يقله الوزير الاميركي هو الحيثية التي ستضمن بقاء هذه القوات ودورها في المستقبل، وكيفية التوفيق بين الاصدقاء والاعداء على ارض واحدة.

من البديهي القول ان هذا الوجود لم يكن ليبصر النور، لولا اتفاق مسبق مع ​روسيا​، كما انه ليس من المبالغ القول انه تم مسبقاً تحديد الاماكن التي سيتواجد فيها كل من الروسي والاميركيين في سوريا، وباقي الاطراف والدول ايضاً. واذا كان من المبكر حسم المناطق والبلدات التي ستستقبل هذه القوات الاجنبية العديدة على الاراضي السورية، فإنه يمكن استشراف بعض الخيوط التي ستترتب على هذا التواجد العسكري في ظل "العجقة" الدولية في هذا البلد.

ولعل السؤال الابرز في هذا المجال يكمن في كيفية التوفيق بين تواجد قوات روسية واخرى اميركية واخرى ايرانية واخرى تركية، اضافة الى القوات السورية في مساحة جغرافية لا تتسع من حيث المبدأ الى هذا الكمّ من العناصر المختلفة، ناهيك عن التباعد الواضح في السياسة بين روسيا وتركيا من جهة والولايات المتحدة من جهة ثانية، و"العداوة" المستجدة بين واشنطن وطهران من جهة ثالثة. ما يمكن توقعه في هذا المجال، هو ان تبدد المصالح المشتركة كل تباعد سياسي بين الافرقاء، وان تكون الارض السورية مكان توافق على امور محددة وصلاحيات معطاة لكل دولة وفق اتفاقات ومشاورات معقدة، ونفوذ في المنطقة يسمح بالانطلاق منها الى دول الجوار.

لم يكن احد يتوقع ان تفرّط واشنطن بفرصة تواجدها العسكري في سوريا، كما ان احداً ايضاً لن يصدّق ان روسيا ستقبل بهذا التواجد على حساب مصالحها والخطط التي وضعتها في سبيل توسيع نطاق امتدادها الى الشرق الاوسط، وبين هذا وذاك كان من المهم ان يصل الاثنان الى نقطة تسوية تؤمّن ابقاء ميزان القوى بينهما سائداً، ويطمئن الاميركيين خصوصاً ان الوافد الجديد بقاعدته العسكرية الى المنطقة، اي روسيا، لن تعمد الى اقصاء ​اميركا​ عن المنطقة بالشقين العسكري والسياسي.

وفي حين يتخوف البعض من ان "كثرة الطباخين العسكريين" في سوريا ستؤدي الى تزعزع الوضع الامني فيها وفي الدول المجاورة، يعتبر قسم آخر ان هذا التواجد هو بالتحديد ما تحتاجه المنطقة، لانه يشكل ضمانة اكيدة على عدم استعداد اي من الدول المعنية بالتفريط بما تم التوصل اليه، وبأمن المنطقة ككل في المستقبل بعد انضمام ​لبنان​ الى الدول النفطية، وابرام شركات دولية اتفاقات مع المسؤولين الاسرائيليين للتنقيب عن النفط والغاز في المياه التي تخضع لسيطرتهم. ويمكن اعتبار ان سوريا باتت على ابواب تقسيم ميداني ولكن غير علني، يضمن استتباب الامن والاستقرار فيها وفي المنطقة عموماً، الا انه يجعل من سوريا ارضاً دولية وفق المفهوم السياسي والدبلوماسي وحتى العسكري، ويعطيها صورة جديدة ستطل بها على العالم، وعندها لن يكون هناك من اهمية لمن سيكون الرئيس المقبل لان القرارات الفعلية ستتخذ بالتوافق بين الدول الاربع التي لها تواجد عسكري على الارض، فيما ستكتفي الحكومة السورية باتخاذ قرارات عامة غير اساسية.

انه السيناريو المتوقع، فهل يصحّ ونكون امام استقرار في المنطقة من البوابة السوريّة، ام تتعرقل الامور في المرحلة المقبلة ونصبح امام تسوية معدّلة؟.