مع توقيع رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ على مرسوم دعوة ​الهيئات الناخبة​ لانتخاب أعضاء ​مجلس النواب​ في السادس من أيار المقبل في لبنان وبين السابع والعشرين والتاسع والعشرين من نيسان خارجه، يمكن القول إنّ قطار الانتخابات قد انطلق أخيرًا بصورة فعليّة ورسميّة، بعد "التعثّر" الذي أصابه في المرحلة السابقة نتيجة تصاعد موجة التشكيك بالنوايا، والخشية من تكرار سيناريو ​التمديد​ للمرّة الرابعة.

لكن، ولأنّ توقيع المرسوم أتى في اليوم نفسه الذي كان يفترض أن تعقد فيه اللجنة الوزارية المكلفة البحث بتطبيق ​قانون الانتخاب​ات اجتماعًا لها للبحث باقتراح وزير الخارجية ​جبران باسيل​ تمديد مهلة تسجيل المغتربين لأسمائهم للمشاركة في الانتخابات، وهو اجتماعٌ كان الكثيرون يخشون سلفاً من تداعياته التي قد تكون "كارثيّة" على الوضع الحكوميّ، وبالتالي على الانتخابات بذاتها، فإنّ علامات استفهامٍ بالجملة طُرِحت عمّا إذا كان ذلك يعني إقرار الجميع بأنّ زمن التعديلات قد ولّى، وبدأ زمن الانتخابات...

لزوم التهدئة...

بعدما نزع رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ فتيل "التفجير" في جلسة ​مجلس الوزراء​ الأخيرة بإحالته مشروع القانون المقدّم من وزير الخارجية لتمديد مهلة تسجيل المغتربين حتى منتصف شباط إلى اللجنة الوزارية المعنيّة، مع "وعدٍ" بأن تجتمع يوم الاثنين، و"رهان" على أن تنجح اتصالات عطلة نهاية الأسبوع بتطويق الإشكال، مرّ يوم الاثنين من دون أن تجتمع اللجنة المذكورة، ومن دون أن يُحدَّد موعدٌ جديدٌ لاجتماعها، ومن دون أن يأخذ الوزير باسيل أيّ موقفٍ إيجابيّ أو سلبيّ من الموضوع.

لا شكّ أنّ عدم دعوة الحريري للجنة بشكلٍ رسميّ ينطلق من نفس الأسباب الموضوعيّة التي دفعته لتجاوز الملفّ في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، أي نزع فتيل "التفجير"، فالرجل لمس أنّ الأجواء بقيت مشحونة ولم تنجح الاتصالات السياسية في تبريدها، في حين أنّه يسعى إلى التهدئة، خصوصًا بعدما عجز عن تقريب وجهات النظر بين رئيسي الجمهورية و​المجلس النيابي​ على خط أزمة "مرسوم الأقدمية"، رغم إعلانه عن وساطةٍ يقودها، وبالتالي فإنّ المطلوب تخفيف التشنّج لا إضافة مادة تفجيرية جديدة، علمًا أنّ كلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ "أزمة المرسوم" رُحّلت إلى ما بعد الانتخابات، إلا أنّ انعكاساتها ستكون حاضرة جليّة ليس فقط في الانتخابات وتحالفاتها ومعاركها وإنما في كلّ استحقاقات المرحلة الفاصلة عنها.

وإضافةً إلى خشية الحريري، المتمسّك بحكومته حتى إشعارٍ آخر، والرافض لتعريضها لأيّ خطرٍ جدّي على وقع "المناكفات" المستمرّة بين "​التيار الوطني الحر​" و"​حركة أمل​"، والتي لا يبدو أنّه سيكون على المستوى الشخصيّ محيَّدًا عنها وعن أضرارها، ثمّة قناعة لدى الجميع أصلاً أنّ أيّ تعديلاتٍ جوهريّة على ​القانون الانتخابي​، ولا سيما على صعيد المهل القانونية والدستورية المنصوص عليها في متنه، لم تعد ممكنة، إذ إنّ الجميع بات يقرّ ضمنًا بعدم القدرة على تطبيق الإصلاحات، ولو جاهر بخلاف ذلك. بمعنى آخر، فإنّ الجميع مقتنعٌ بأنّ ما كُتِب قد كُتِب، على حدّ ما أعلن رئيس المجلس النيابي، وأنّ اللجنة الوزارية، حتى لو عقدت اجتماعها، فهي لن تقدّم أو تؤخّر شيئًا، سوى ربما شحن الأجواء وتوتيرها أكثر ممّا هي مشحونة في الأصل.

شبح "الطعن"

الجميع بات يقرّ ضمنًا بأنّ التعديل غير ممكن، خصوصًا أنّ أيّ تمديدٍ لمهلة التسجيل سيفرض تلقائيًا تعديلاً في سائر المهل، ما يمكن أن يرتّب فوضى تنظيميّة لن يكون من السهل الخروج منها، و"التيار الوطني الحر" من ضمن هذا الجميع، وإن كانت اعتباراته وحساباته مختلفة، كونه يرى أنّ باب التعديلات لم يقفل، وأنّ المهلة لا تزال مُتاحة، وهو، إذ يبدي حرصًا على تطبيق الإصلاحات لاقتناعه بإمكان توظيف ذلك لصالحه عند لحظة الجدّ الانتخابية، يرفض أن يتمّ تصوير الموضوع وكأنّه "انتصارٌ" لبري عليه بأيّ شكلٍ من الأشكال.

ولذلك، فإنّ "التيار"، الذي سكت على مضض على تأجيل اجتماع اللجنة الوزارية، مراعاةً لحليفه الجديد رئيس الحكومة وتمنّياته، لن يبقى ملتزمًا الصمت، فهو، كما يؤكّد المحسوبون عليه، سيبقى رافعًا لواء الإصلاحات حتى اللحظة الأخيرة، وهو بدأ التلويح بإجراءات قانونيّة ودستوريّة يمكن أن يقوم بها في المرحلة المقبلة، بل إنّ هناك من يعتقد أنّ "التيار" يريد الدفع لأيّ تعديلٍ في القانون الانتخابيّ، بغضّ النظر عن مضمونه، ولو كان مجرّد تعديلٍ لغويّ، فقط لتسجيل نقطة على حساب رئيس المجلس، الذي يجاهر بأنّ أبواب المجلس موصَدة أمام أيّ تعديلٍ للقانون، بذريعة أنّ التعديل يمكن أن يفتح شهية المتضرّرين، على كثرتهم، فيجرّ خلفه تعديلاتٍ بالجملة.

واستنادًا إلى ذلك، يبدو أنّ ما بدأ يتداول بكثافة في الساعات الماضية عن خطر "الطعن" بالانتخابات عن بكرة أبيها إذا لم يتمّ تعديل المادة الرابعة والثمانين من القانون الانتخابيّ، التي تتحدّث عن ​البطاقة الممغنطة​، يصبّ في هذه الخانة بالتحديد. فعلى الرغم من أنّ رافضي التعديل يعتبرون أنّ المادة الرابعة والثمانين تقول إنّ التعديل يجب أن يحصل فيما لو تمّ إقرار البطاقة الممغنطة وليس العكس، لجأ البعض إلى اجتهاداتٍ قانونيّة تفيد بأنّ المادة ألزمت الحكومة بإقرار البطاقة الممغنطة حين استخدمت عبارة "على الحكومة"، وبالتالي فإنّ عدم قيام الحكومة بما نصّ عليه القانون يستلزم تعديلاً للقانون. وانطلاقاً من ذلك، بدأ التهويل يأخذ في الساعات الأخيرة منحىً تصاعديًا من أنّ الطعن بالانتخابات، إذا ما حصل، يمكن أن يقود البلاد إلى خطر الفراغ القاتل، الذي سيكون "كارثيًا" أكثر بكثير من خطر الفراغ الرئاسيّ الذي سبق أن جرّبه اللبنانيون، وبالتالي فإنّ "أهون الشرّين" قد يكون بتعديلٍ بسيطٍ لهذه المادة، من باب الاحتياط على الأقلّ.

من ينتصر على من؟!

قيل سابقًا إنّ المشكلة الحقيقية بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومن خلفه رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية جبران باسيل من جهة، ورئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ من جهة ثانية، هي قصة "كيمياء مفقودة" بل "قلوب مليانة" بكلّ ما للكلمة من معنى، لم تنفع كلّ وساطات الأقربين والأبعدين في وضع حدّ لها.

إلا أنّ ما يحصل اليوم بدأ يدلّ على وجود معركة "إثبات وجود"، إن جاز التعبير، بين الجانبين، حتى أصبح تعديل قانون الانتخاب مثلاً معركة مصيرية ومفصليّة بينهما، ولو قضت "التسوية" في النهاية بالذهاب تعديلٍ شكليّ لا يتخطّى إلغاء فاصلة من هنا أو حذف نقطة من هنالك، فقط للقول إنّ أحدًا لم ينتصر على الآخر...