ما يجري على ساحة المنطقة لا يتحمّل ما يحصل على ساحة ​لبنان​، والعكس صحيح، والنتيجة أن الإستحقاقات المنتظرة على هاتين الساحتين مرشحة للإصطدام بتعقيدات قد تؤخر إنجازها الى أمد غير معلوم.

يقول أحد السياسيين، إن ما تشهده البلاد منذ أمس الأول من حملة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير ​جبران باسيل​ على رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، وردود الفعل الغاضبة عليها التي صدرت عن مناصريه وعن حركة «أمل» وتضامن «​حزب الله​» معه، ورفض التعرّض له «رفضاً قاطعاً»، من شأنه أن يضع البلاد أمام مخاطر كبيرة تتهدّد معها كل الإستحقاقات الداخلية والإستقرار اللبناني العام.

وذهب هذا السياسي الى أبعد من ذلك، ليؤكد أن ما حصل «هو أحد الفصول التي تؤسس لتطيير ​الإنتخابات النيابية​ المقررة في 6 أيار المقبل، فكأن ما حصل إعتبره الراغبون في تأجيل الإستحقاق النيابي، وهم كثر في الداخل والخارج، «رمية من غير رامٍ» تخدم رغبتهم في التملّص من الإنتخابات التي يُقبلون عليها مُكرهين، بعدما فقدوا الحيلة لتأجيلها أو إلغائها عبر طرح تعديلات على ​قانون الإنتخاب​، تؤسس لتطيير هذا القانون، خصوصاً أن أوساطاً سياسية ومعنية تداولت في الآونة الاخيرة فكرة طرحها البعض، وتدعو الى إلغاء القانون الإنتخابي الجديد الذي يعتمد النظام النسبي والعودة الى ​قانون الستين​ وإعتماده «لمرة واحدة وأخيرة» وانتخاب مجلس نيابي جديد ينكب لاحقاً على وضع قانون إنتخاب عصري، بالتفاهم والتعاون مع الحكومة التي ستنبثق من الإنتخابات.

لكن المشهد السائد يؤكد أن البلاد قاصرة عن الذهاب بعد ثلاثة أشهر من الآن الى تجربة ديموقراطية حضارية تناقض هذا المشهد اللاحضاري. فما حصل سواء بكلام وزير الخارجية جبران باسيل النابي في حق رئيس مجلس النواب، وردة الفعل عليه، يؤكد أن ثقافة اللبنانيين وخطابهم السياسي وتعاطيهم بعضهم مع بعض على الأرض، يُظهر أنهم دون المستوى المطلوب لخوض إستحقاقات ديموقراطية كالإنتخابات النيابية، خصوصاً الطرفين المتلاكمين، سواء بالكلام أو بما جرى على الأرض، إنما هما طرفان كبيران وأساسيان يمثلان رافعة أساسية لتجربة الإنتخابات النيابية المقررة في 6 أيار المقبل.

والى التساؤلات الكثيرة التي طرحت نفسها حول ما قاله باسيل بالصوت والصورة عن رئيس مجلس النواب، وحول مَن سرّبه وما يخفيه من أهداف خلف هذا التسريب، وردود فعل حركة «أمل» ومناصريها عليه، كان اللافت مجموعة المواقف التي صدرت في هذا الصدد عن بعض القوى السياسية، وجاءت ملتبسة أو غير مفهومة، باستثناء موقف «حزب الله» الذي تضامن في وضوح مع بري.

ولكن الذي أثار التساؤل لدى البعض هو أن ما حصل، والموقف العنيف الذي عبّر عنه باسيل ضد بري، جاء قبل أيام من ذكرى «تفاهُم مار مخايل» لعام 2006 بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، وكذلك جاء بعد أيام من زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركي ل​بيروت​، حيث أجرى محادثات تناولت في جانب منها العقوبات الأميركية المالية على «حزب الله» ومواضيع ​مكافحة الإرهاب​ وتهريب الأموال.

علماً أن ما حصل في الشارع رداً على موقف باسيل تزامن مع وصول الرئيس الألماني ​فرانك شتاينماير​ الى بيروت، في الوقت الذي يستعد لبنان لحضور مؤتمرات «باريس 4» و«روما 2» و«بروكسل» التي يعوّل عليها لدعم إقتصاده وأوضاعه المالية وقواته المسلحة، ومساعدته في تحمّل عبء ​النازحين السوريين​.

لا شيء في الأفق يشير الى حل قريب للأزمة الرئاسية بين بعبدا و​عين التينة​، التي نشأت بفعل مرسوم الأقدمية، ويبدو أن هذه الأزمة تدرّجت لتتفجّر سياسياً وفي الشارع بين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر»، فالمتفائلون يتوقعون تدخّلاً عاجلاً لحزب الله يعيد وصل ما انقطع بين الجانبين نظراً لـ«مونته» عليهما. لكن المتشائمين يؤكدون أن هذه الأزمة قد لا تجد حلاً لشقّيها الرئاسي والسياسي قبل الإنتخابات النيابية، التي بدأت ظلال من الشكوك تدور حول مصيرها، في ظل رغبة بعض الأطراف الإقليمية والدولية بتأجليها، لإعتقاد هذه الأطراف بأنها ستمكن «حزب الله» وحلفاءه من الإستحواذ على الأكثرية النيابية المرموقة، وذلك رغم المواقف الدولية المعلنة والمنادية بإنجازها في موعدها.