رغم حدة الأزمة السياسية الداخلية، تقرّ كل القوى بحتمية اجراء الانتخابات النيابية من دون تأجيل، ولا تعديل. لكن وقائع بالجملة تحيط بالمشهد الانتخابي، وخصوصا بما يتعلق بعدم بت التحالفات. حتى الساعة لا اتفاق حصل بين القوى الأساسية، لتحمل الازمة الحالية معها امكانية خلط الاوراق الانتخابية. قد يتمهل "المستقبل" في حسم تحالفه فقط مع "الوطني الحر". سيجد رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ ارباكاً في الانحياز المطلق الى جانب وزير الخارجية ​جبران باسيل​ على حساب علاقته مع حركة "أمل". ستزيد "القوات" من شروطها أمام "البرتقالي".

لم يُقدم تيار "المستقبل" على حسم مشروع تحالفه نهائياً مع التيار "الوطني الحر". كلا الفريقين "الأزرق" و"البرتقالي" كانا يخططان لضم قوى بالمفرق الى حلفهما، لكنهما لم يرسما الصورة النهائية لتوزيع الحصص في المقاعد. تعترضهما معوقات أساسية: هل يتحالفا مع "القوات"؟ أين؟ لا يستطيع أي فريق منهم الحسم بأن التحالف قائم. لا تزال معراب تنتظر رد "المستقبل" على طرح رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ الذي قدّمه لوزير الثقافة غطّاس خوري. مجرد التأخر في الرد، يعني أن رئيس الحكومة سعد الحريري مربك. هو لم يستطع حتى الساعة تحديد خياراته. تنطلق المشكلة من الشوف، وتعيق التحالف أيضا بين "التقدمي" و"القوات". أين سيكون الحريري منها؟ سينحاز الى طرح النائب ​وليد جنبلاط​، ويفضّل التحالف معه على حساب "القوات". سينعكس التباعد القواتي-الاشتراكي على دائرة بعبدا بطييعة الحال. هنا يجري الحديث عن حلف يجمع "الثنائي الشيعي" مع "التقدمي". هو ما لمّح اليه النائب وليد جنبلاط بعد زيارته عين التينة بجزمه التحالف مع حركة "أمل". ما يفرض على "القوات" البحث عن تحالف آخر. خيار التوجه نحو التيار "الوطني الحر" قائم. لكن مشكلة جوهرية تعيق الحلف "البرتقالي"-"القواتي". لا يبدو الفريقان في وارد التواضع أمام بعضهما في كل الدوائر. تستند "القوات" الى استطلاعات رأي تفيد بتفوقها على "الوطني الحر" في عدد من المناطق: بعلبك وزحلة والشمال والشوف، بينما يرفع "الوطني الحر" أرقامه في بعبدا و كسروان-جبيل وجزين والمتن. المسألة تتعدى تلك الحسابات الانتخابية الى حدود فقدان الثقة بين الفريقين ووضع التفاهم بينهما على الرف بعد انتخاب العماد ​ميشال عون​ رئيسا للجمهورية. لا كيمياء بين وزير الخارجية جبران باسيل ورئيس "القوات" سمير جعجع. عدا عن حسابات رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية عون. كل ذلك يزيد من الضبابية في مشهد التحالفات. سينعكس التباعد على علاقة القوى الأخرى بكل منهما. يبدو جنبلاط في الشوف أقرب الى التحالف مع باسيل والحريري، بسبب رفض "الحكيم" ترشيح الوزير السابق ​ناجي البستاني​ عن أحد المقعدين المارونيين. في بعبدا، لن يحصل أيضا التحالف بين جنبلاط و جعجع، بسبب توجه "الاشتراكي" للتحالف مع "الثنائي الشيعي". ما يعني أن لا حلف يجمع "القوات" و "التقدمي" في كل لبنان.

في زحلة، يخيم المشهد الضبابي ذاته. لم تُبت التحالفات حتى الساعة. هل يتخلى الحريري عن التعاون مع "الكتلة الشعبية"؟ توحي الاتصالات بأنه فشل في تأليف لائحة جامعة للقوى الاساسية. التوجه هو للحلف بين "الازرق" والبرتقالي" مقابل حلف "الكتائب" و"القوات" مع أنصار الوزير السابق ​أشرف ريفي​. ولائحة ثالثة تشكلها رئيسة"الكتلة الشعبية" ​ميريام سكاف​ وتضم شخصيات وفاعليات مدنية.

في الشمال، لوائح عدة ستُشكل. سيكون الحريري مضطرا لارضاء باسيل في البترون، و"المردة" في زغرتا، وحلفائه التقليديين في الكورة. هو لم يحسم خياراته النهائية بعد، بإنتظار ملامح التحالفات في طرابلس. سيخوض النائب ​سليمان فرنجية​ معركة ضد باسيل في البترون والكورة وضد جعجع في زغرتا وبشري. سينحاز "الكتائب" حكماً الى جانب "القوات". لا خيار لهم آخر بإنتظار حصتهم النيابية في دوائر الشمال.

الكل يترقّب في باقي المناطق. قد تتمدد عملية الانتظار الى ما بعد البدء بتقديم الترشيحات. ليكون شهرا شباط وآذار مساحة لبناء التحالفات ضمن المدة المتاحة لتأليف اللوائح قبل تسجيلها في وزارة الداخلية والبلديات. بات هناك من يعتقد أن الازمة الحالية ستخلط التحالفات من جديد، من دون قدرة أحد على الجزم بالتوجهات المرتقبة.