يلاحظ متتبعو التطورات في منطقة الشرق الاوسط، ان التركيز الاوروبي ينصب حالياً على البحث عن دور فاعل في منطقة الشرق الاوسط ان عبر ​لبنان​ او عبر ​سوريا​. ففي لبنان، كان التدخل الفرنسي في قضية الاقامة الجبرية واحتجاز رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، اساسياً وفاعلاً رغم الموقف الاميركي الرافض لما حصل مع الحريري. وكان لافتاً وقوف الاوروبيين جميعاً ضد قرار الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ اعلان القدس عاصمة ​اسرائيل​، وتمسكهم بحل الدولتين وفق الشروط السابقة التي تم الاتفاق عليها.

اما سوريا، فتعتبر بالنسبة الى ​اوروبا​ فرصة ذهبية لتثبيت نفسها مجدداً على الساحة، انما بصعوبة كبيرة نظراً الى تواجد قوتين اساسيتين هما ​روسيا​ و​الولايات المتحدة الاميركية​، وتواجد قوتين اضافيتين بحكم الامر الواقع هما ​ايران​ و​تركيا​. ويجهد الاوروبيون في سبيل عدم غيابهم عن الساحة السورية، لذلك يدخلون انفسهم تارة عبر قضية النازجين وطوراً عبر الاعراب عن القلق من العمليات العسكرية الميدانية.

في قضية النازحين، يفرض الاوروبيون انفسهم في المسألة من وجهة نظر تفيد بأنهم معنيون بما يحصل في دول الجوار والتغييرات التي قد تطرأ على هذه الدول بفعل تواجد النازحين، ويستشهدون بلبنان كمثال لهذا الامر، لذلك عمدت ​فرنسا​ الى حث ​الاتحاد الاوروبي​ على التحضير لمؤتمر في بروكسل يخصص لدعم الدول التي تستضيف النازحين السوريين، فتبقى كلمتهم موجودة على الساحة الشرق اوسطية. اضافة الى ذلك، لا يمكن لاحد ان ينكر التأثير المباشر لهذه الازمة على القارة الاوروبيّة بشكل عام، بعد ان عانت الدول الاوروبية كلها من تدفّق النازحين واللاجئين السوريين اليها، والمشاكل التي سببها هذا الامر. لذلك، كان لا بد من التعاطي مع الموضوع بشكل مباشر، والتدخل بقوة في هذا الملف والاحاطة به من كل جوانبه.

على خط آخر، أدّى التدخل العسكري التركي في سوريا، الى استنفار الاوروبيين وتدخلهم من خلال التعبير عن قلقهم من مجرى الاحداث وتأثيرها على الوضع العام في هذا البلد، وبلغ بهم الامر الى حد الطلب من تركيا تنسيق عمليتها العسكرية في ​عفرين​ مع الحلفاء في أوروبا. هذا الامر ان دل على شيء، فعلى مدى الحاجة الاوروبية للبقاء على الساحة السورية، وتوجيه رسالة الى موسكو وواشنطن مفادها ان دول القارة العجوز لن تقبل باستفرادهما للادوار في سوريا، وان تنسيق تركيا معهما فقط لا يرضيها باعتبار انه من الناحية الجغرافية، تبقى اوروبا اقرب الى سوريا من روسيا واميركا، وبالتالي، فإن التأثيرات السورية ستطال الدول الاوروبية وليس من المسموح اغفال هذا الامر او التعاطي معه على اساس ما سيحصل بعد تطور الاحداث وتلقي العواقب فقط.

وتأتي هذه التدخلات من قبل اوروبا في ظل تباعد في العلاقة مع واشنطن، وفتور في العلاقة مع موسكو، وهذا ما يجعل الامر اكثر تعقيداً للاوروبيين، لكن الرهان يبقى على اعتبار اوروبا ان من غير الممكن اقصاؤها كلياً عن الاوضاع في المنطقة وخصوصاً في سوريا، نظراً الى دورها الحيوي دبلوماسياً وسياسياً واجتماعياً. ويدرك الاوروبيون ايضاً ان اي اعتبار لاعتماد قوى اجنبية لحفظ السلام او غيره، من شأنه ان يستعين بشكل اساسي بالقوات العسكرية من دول اوروبا قبل التطلع الى دول اخرى، على غرار قوات "اليونيفيل" في لبنان.

وعليه، يمكن القول ان الدور الاوروبي في المنطقة لم يمت، ولو انه تراجع بشكل كبير، وسيبقى اصحابه يحاولون بشتى الطرق اعادة احياء نفوذهم قدر الامكان، وربما قد يعمدون الى استغلال الصراع الاميركي-الروسي للانفتاح على احدهما اكثر من الآخر، مع افضلية لروسيا في هذا السياق كونها تحتاج الى تخفيف التوتر مع اوروبا، وقد يشكل هذا الامر مقايضة جيدة للطرفين، قد تبصر النور قريباً.