على قاعدة "إذا ما كبرت ما بتصغر"، شكّل إنذار الفتنة الذي انطلق من حادثة الحدت "المَخرَج" الذي انطلقت منه مساعي التهدئة بين "​التيار الوطني الحر​" و"​حركة أمل​"، التي يبدو أنّها سلكت مسارها الطبيعي، بانتظار اللقاء المقرّر بين رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ورئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ يوم الثلاثاء المقبل.

لكن، قبل وصول هذه الأزمة إلى خواتيمها، وبمُعزَلٍ عن التوقعات بإمكان تكرارها في المستقبل بالنظر إلى العلاقة غير السوية بين الجانبين، ثمّة من بدأ يطرح الأسئلة عن انعكاساتها على تفاهم ​مار مخايل​ الشهير بين "​حزب الله​" و"التيار الوطني الحر"، خصوصًا بعدما كان واضحًا امتعاض الأخير من "اصطفاف" الحزب الواضح إلى جانب بري.

أكثر من ذلك، إذا كان هناك من جمهور "أمل" من دعا صراحةً إلى إسقاط ورقة التفاهم، فإنّ هناك في جمهوري "حزب الله" و"الوطني الحر" من بدأ يسأل، ولو بشكلٍ غير مباشر، عمّا إذا كان قد حان الوقت لإعادة النظر بالتفاهم...

الحُسّاد كثر؟

لا شكّ أنّ ضرب التفاهم بين "الحزب" و"التيار" يشكّل هدفًا للكثيرين، وهو أمرٌ مُعلَن، وليس بجديد، بل يعود إلى تاريخ إبرام التفاهم بينهما، يوم دعا الجانبان باقي الأفرقاء إلى الانضمام إليهما، فإذا بردّة الفعل تأتي مضادة، وتُفتَح الجبهات عليهما باعتبار أنّ هذا التفاهم غير مبنيّ على أيّ أسُس أو معايير، وسيسقط سريعًا. إلا أنّ الرياح سارت بما لا تشتهي السفن، فصمد هذا التفاهم، وتحوّل إلى تحالفٍ متينٍ، يصوّر كنموذجٍ للتحالفات السياسية والاستراتيجية الفعّالة، وهو ما تجلّى في أكثر من محطّة.

ومع وصول هذا التفاهم إلى أوجه، بدأت محاولات ضربه في الصميم، تارةً بالترغيب، وطورًا بالترهيب، إن صحّ التعبير. ويمكن القول إنّ ​الانتخابات الرئاسية​ الأخيرة شكّلت التهديد الأكبر لهذا التحالف، خصوصًا عندما تبنّى خصوم "التيار" ترشيح حليف "الحزب" رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ للرئاسة، في محاولةٍ ليس فقط لقطع الطريق على عون، ولكن أيضًا لهزّ علاقته بحلفائه، وعلى رأسهم "حزب الله"، حتى أنّ هناك من يقول إنّ الهدف من تبنّي ترشيح عون نفسه في نهاية المطاف كان إحراج "الحزب" ليس أكثر، تمهيدًا لضرب علاقته مع "الجنرال".

اليوم، عشيّة الانتخابات النيابيّة المقرّرة في السادس من أيار، يبدو أنّ فصلاً جديدًا من المسلسل نفسه بدأ يتبلور، خصوصًا مع ترسيخ التحالف الانتخابي بين "​تيار المستقبل​" و"التيار الوطني الحر" في معظم الدوائر، في ظلّ رفض كلّ من "المستقبل" و"حزب الله" الدخول في أيّ حلفٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ مع بعضهما البعض. وليس خافيًا على أحد أنّ صقور "المستقبل" بدأوا يبرّرون تحالفهم مع "التيار" على قاعدة أنه سيؤدّي للتباعد بين الأخير و"حزب الله"، وأنّ "تباشير" ذلك قد بدأت في أكثر من محطّة.

هواجس كثيرة

انطلاقًا ممّا سبق، قد يقول قائل إنّ الحُسّاد كُثُر بالفعل، وإنّ هناك من لا يريد للتفاهم بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" أن يصمد ويستمرّ، خصوصًا بعد انتخاباتٍ نيابيّة يُعتقَد أنّها ستعيد رسم التوازنات الداخلية، بشكلٍ قد يطيح بكلّ المعادلات المعمول بها حاليًا. إلا أنّ أحدًا لا يستطيع أن ينكر، في المقابل، أنّ تراكماتٍ سلبيّة بالجملة بدأت تطفو على سطح العلاقة بين الجانبين، تراكمات لا تقف عند حدود التحالفات الانتخابية التي لا تبدو متشابكة بينهما، بل تصل إلى صميم العلاقة مع رئيس "التيار" ​جبران باسيل​، الذي يكاد البعض يقول إنّ علاقة "الحزب" به لا تشبه تلك التي تجمعه بالرئيس عون، خصوصًا في ضوء "الزلات المتكررة" لوزير الخارجية، في قضايا تُعتبر "حسّاسة" في قاموس الحزب.

وإذا كانت بوادر هذه الأزمة قد بدأت مع تصريحات وزير الخارجية التلفزيونية حول الصراع مع ​إسرائيل​، التي أثارت موجة استياء وغضب في الشارع الشيعي بوجهه، وإن نأت قيادة "حزب الله" بنفسها عنها، ولم تعلّق عليها لا إيجابًا ولا سلبًا، فإنّها وجدت أوجها في الأزمة الأخيرة بين "التيار الوطني الحر" و"حركة أمل"، على تشعّباتها، بدءًا من "أزمة المرسوم" مع رئيس الجمهورية، التي نأى "حزب الله" أيضًا بنفسه عنها، وصولاً إلى "أزمة الفيديو" التي خرج فيها "حزب الله" عن حياده، معلنًا الاصطفاف إلى جانب بري، بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ، دفع البعض في "التيار" إلى الدعوة لرفض وساطة الحزب، باعتبار أنّه أصبح "طرفاً".

من هنا، وعلى الرغم من أنّ قيادتي الجانبين تصرّان على أنّ ما بينهما لا تفرّقه مثل هذه التراكمات، فإنّ اصطفاف "الحزب" إلى جانب بري في الأزمة الأخيرة لم يمرّ مرور الكرام بالنسبة لقيادة "التيار"، ولو أعطاه البعض أعذارًا تخفيفية على قاعدة خوف "الحزب" على بيته الشيعي الداخلي، خصوصًا أنّ هذه الحُجّة هي نفسها التي يعتمدها لتبرير تحالفه الانتخابي مع "أمل" ولو كان على حساب "التيار". وعلى الرغم من أنّ الحزب دعا في بيانه لمعالجة الأزمة بحكمة ومسؤوليّة، وحرّك وساطاته في هذا الاتجاه، وهو ما أثمر في نهاية المطاف، من خلال نزعه فتيل الاشتباك عمليًا، فهناك من يرى أنّ خطوته، على أهميته، بقيت منقوصة طالما أنّه لم ينتقد بصراحة التحرّكات غير العفوية التي قام بها مناصر "أمل" بشكلٍ منظّم، كما فعل مع كلام باسيل، رغم أنها تضمّنت إساءات لرئيس الجمهورية ورئيس "التيار" تتخطى بأشواط الإساءة لبري، والتي كان باسيل قد تداركها بالأسف منذ اللحظة الأولى لتسريب الفيديو.

امتعاضٌ خفيّ...

في أوساط "التيار"، امتعاضٌ خفيّ من اصطفاف "حزب الله" إلى جانب رئيس المجلس في وجه وزير الخارجية في الأزمة الأخيرة، وهمسٌ غير بريء عن أنّ "الحزب" يمهّد بذلك لاصطفافٍ جديد سوف يتجلى خصوصًا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو يعتبر أنّه سدّد ما كان يسمّيه "دَينَه" للرئيس عون كاملاً.

وفي المقابل، في أوساط "الحزب" امتعاضٌ خفيّ من "زلاّت" باسيل، إن جاز التعبير، والتي باتت تسبّب "إحراجًا" للحزب في أكثر من مكان، قد تكون أبرز تجلياته أنّ الفيديو المسرّب أنهى "الوساطة" التي كان الحزب قد باشر بها، عندما كادت تسلك مسارها "بالمونة".

لكن، وبعيدًا عمّا هو خفيّ، في أوساط كلّ من "التيار" و"الحزب"، قناعة تبقى راسخة بأنّ التفاهم بينهما لا يجب أن يسقط، بغضّ النظر عن كلّ المغريات من هنا وهناك، ومهما كان الثمن، خصوصًا أنّ ما راكمه هذا التفاهم على مرّ السنين يستحيل شطبه من النفوس قبل النصوص...