لا يُحسد رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ على وضعه الحالي، فهو ما ان يعالج مشكلة حتى يبدأ العمل للتصدّي لأخرى. واللافت ان المشاكل الداخلية التي يعالجها ليس مسؤولاً عنها مباشرة، انما يُسأل عنها محيطه، وهو ما يزيد الامر صعوبة. المشكلة التي لم تهدأ وسائل الاعلام في تداولها اخيراً، هي تلك التي وضعت المستشار الاعلامي لعون ​جان عزيز​ في وجه مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدولية ​الياس بو صعب​، وهي مشكلة حساسة على صعيدين: الاول ان الاثنين قريبين من رئيس الجمهورية، والثانية ان المسألة تهدد باحداث شرخ في "البيت الداخلي" للتيار الوطني الحر الذي اورثه الرئيس لوزير الخارجية ​جبران باسيل​ وهو في اوج قوته وانتشاره الواسع على الاراضي ال​لبنان​ية كافة.

وفي حين لم يصدر كلام مباشر من جان عزيز عن الوزير السابق بو صعب، الا ان صفته كمدير للاخبار في محطة "او تي في" تجعله مسؤولا عما يصدر في مقدمة النشرة الاخبارية، وهذا ما يُحكى على كل شفة ولسان، وعلى ان الخلاف بات بين عزيز وبو صعب مباشرة. ولكن انعكاس هذا الخلاف يصيب رئيس الجمهورية، فخلافهما، الشخصي او السياسي، يتخطى شخصهما نظراً الى الصفة التي يحملها كل منهما، خصوصاً وان هذه المسؤولية حمّلهما اياها عون مباشرة، فالمستشار يتم تعيينه برغبة من المسؤول وليس وفق شروط او مباريات او غيرها...

واذا كانت مهام عزيز الرسمية تبقى خجولة، فإن المهام الموكلة الى بو صعب اكبر بكثير واوجبت تواصلاً مع مسؤولين دوليين اعتمدوه كشخص موكّل من رئيس البلاد لمتابعة مواضيع حساسة وبالغة الاهمية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، قضية ​النازحين السوريين​، حيث عقد بو صعب اكثر من اجتماع مع معنيين في هذا الامر، على غرار ما قام به في نيويورك في ايلول الفائت خلال تواجده مع الوفد الرسمي المرافق لرئيس الجمهورية، ولقائه مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون ​اللاجئين​ والهجرة والسكان سايمون هانشو. المعضلة في هذه المسألة هي انه قد يتم الاستخفاف الدولي بخيار رئيس الجمهورية من خلال الشخص الذي كلّفه متابعة هذا الملف-اذا صحت كل التهم التي وجّهت اليه- وقد يتم مراجعة كل ما حصل خلال هذه الاجتماعات واللقاءات، وانعكاس هذا الامر يطال عون اولاً ولبنان ثانياً، وهو امر غير صحي بطبيعة الحال، في وقت لا يهدأ رئيس الجمهورية في اثارة هذه القضية والحديث عن آثارها السلبية على لبنان.

الاحراج الثاني الذي تسببه الاتهامات لبو صعب، هو ان البعض قد يستخدم ما قيل للتشكيك بنيّة رئيس الجمهورية في ​محاربة الفساد​ والفاسدين، ومناداته بالشفافية. وقد يأخذ هذا البعض على الرئيس انه لم يتحرك في اتهامات أتت بموافقة شخص "من داخل البيت"، وبالتالي فإن صفته توحي بأنه يملك معلومات لا يملكها الآخرون، وهذا الامر قد ينعكس على عون، وقد يهدد كل ما يعمل من اجله والخطط التي وضعها في سبيل السير قدماً بالبلاد الى الامام.

لجوء عزيز الى عدم التوضيح او التراجع عن الاتهامات ساهم في ازدياد الغموض وابقاء بو صعب في قفص الاتهام، فكانت ردة الفعل الصائبة من الاخير وضع القضية في يدي رئيس الجمهورية الذي يبقى الحكم الحقيقي في هذا الخلاف، وتبقى كلمته هي الفاصلة في المسألة لانه يدرك تماماً اهمية عدم ابقاء هذا الموضوع في التداول والنقاش، وخطورته عليه شخصياً وعلى صورته، والاهم على مصداقية لبنان امام المسؤولين الدوليين.

لا يمكن لاحد ان ينهي المسألة إلّا من قام بتعيين هذين الشخصين كمستشارين له، وليس من الصعب على عون الذي نجح في تخطي مشاكل اكبر واخطر، ان يحسم الموضوع بالطريقة التي يرغب، فالاتهامات خطيرة والمعنيون بها قريبون منه، ولا يجب ان تتطور انعكاسات الخلاف اكثر مما هي عليه اليوم، فكل الانظار متجهة الى بعبدا، لمعرفة الحكم الذي سيصدر عن محكمة الرئيس عون. وفي ظل عدم تراجع الطرف المُتَهِّم عن الاتهامات وتمسك الطرف المُتَّهَم في المقابل بعدم صحتها، على رئيس الجمهورية ان يحدّد من هو الطرف المُسيء وان ينصف الطرف الذي أُسِيءَ إليه...