في 6 شباط 2006، وقّع كل من رئيس "التيار الوطني الحُرّ" آنذاك العماد ​ميشال عون​ وأمين عام "​حزب الله​" السيّد ​حسن نصر الله​، "ورقة تفاهم" تضمّنت 10 محاور رئيسة(1). وقد شكّل هذا التفاهم الثُنائي تغييرًا جذريًا على مُستوى التوازنات الداخليّة في ​لبنان​، إستمرّت مفاعيله حتى الأمس القريب مع إنتخاب العماد عون رئيسًا للجُمهوريّة. لكن وعشيّة حلول الذكرى السنويّة الثانية عشرة لهذا التفاهم، هل إنتهى مفعول "ورقة التفاهم" أم أنّها "باقية باقية ما دامت الدماء تجري في عروقنا" بحسب تعبير عُضو كتلة الوفاء للمُقاومة النائب علي عمّار منذ بضعة أيّام من الحدت؟.

لا شكّ أنّ التفاهم بين "حزب الله" و"التيّار الوطني الحُرّ" والذي كان بدأ بتفاهمات على خطوط عريضة، تحوّل مع الوقت إلى تحالف إستراتيجي عاد بالفائدة على الطرفين. ويُمكن في هذا السياق تعداد ما يلي:

أوّلاً: أمّن "التيّار" الغطاء المسيحي والبُعد الوطني لسلاح "الحزب"، وللمُواجهة العسكرية القاسية التي خاضها ضُد ​إسرائيل​ في "حرب تمّوز" 2006.

ثانيًا: تبادل الطرفان أصوات المُناصرين والمُؤيّدين في العديد من الدوائر الإنتخابيّة خلال إنتخابات العام 2009 النيابيّة، ما ساهم في نجاح مجموعة إضافيّة من النوّاب الذين كان وضعهم دقيقًا في بعض الأقضية بحسب مبدأ التصويت الأكثري وفق القضاء، خاصة في أقضية بعبدا وجبيل وجزين.

ثالثًا: نجح التحالف المَتين بينهما من جهة "حزب الله" ومن خلفه مُختلف قوى "8 آذار" بحسب توصيفات المرحلة الماضية، ومن جهة أخرى "التيار الوطني الحُرّ"، في تشكيل قُوّة سياسيّة ونيابيّة وشعبيّة واسعة تمكّنت من الوقوف بوجه تحالف قوى "​14 آذار​" السابق"، ومنعته من السيطرة على السُلطة التنفيذيّة ومن إنتخاب رئيس من صُفوفه، على الرغم من فوزه بأغلبيّة نيابيّة سُرعان ما راحت تتضاءل بفعل الإغتيالات السياسيّة، وخوف البعض من وهج السلاح، وتبدّل الأولويّات من عامة إلى مصلحيّة حزبيّة وطائفيّة لدى البعض الآخر، إلخ.

رابعًا: أسفر وقوف "حزب الله" بحزم إلى جانب "التيّار الوطني الحُرّ" في تمسّكه بإنتخاب العماد عون رئيسًا للجُمهوريّة، عن عرقلة كل مُحاولات الخروج من الفراغ الرئاسي الذي طال أمده لنحو سنتين ونصف السنة، إلى أنّ بدأت قوى أساسيّة في تحالف "14 آذار" السابق في تقديم التنازلات تحت راية إعادة تحريك عجلة الدولة وإخراج لبنان من حال الشلل، لينجح "الجنرال" بالعودة إلى القصر الجُمهوري بصفة رئيس للجُمهوريّة هذه المرّة في 31 تشرين الأوّل 2016.

لكن بعد إنتخاب العماد عون رئيسًا، وعلى الرغم من إستمرار التفاهم الإستراتيجي العريض بين "الحزب" و"الوطني الحُر"، بدأت مصالح كلّ من الطرفين بالإفتراق على أكثر من ملفّ، حيث لم يُوافق "حزب الله" على الكثير من طروحات رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" ​جبران باسيل​ الإنتخابيّة، لينتهي البحث عن قانون جديد بإقرار قانون النسبيّة مع تقسيم لبنان إلى 15 دائرة وإعتماد "الصوت التفضيلي" على مُستوى الدائرة الصغرى. وبسبب تباينات "الوطني الحُرّ" مع كل من "تيّار ​المردة​" و"​حركة أمل​" بسبب ملفات عدّة وإرتدادات معركة رئاسة الجُمهوريّة، وبسبب رغبة "حزب الله" بالتحالف إنتخابيًا مع "الحركة" وبإعطاء الأولويّة لدعم قوى وأحزاب وشخصيّات محسوبة على "محور المُقاومة والمُمانعة"، وجد "التيّار الوطني الحُرّ" مصلحته الإنتخابيّة في التحالف مع "تيّار المُستقبل"، في ظلّ إشتداد الخلاف بين "الوطني الحُرّ" و"المردة" و"أمل"، الأمر الذي سيضع مُرشّحي "التيّار الوطني الحُرّ" و"حزب الله" في لوائح إنتخابية مُتقابلة ومُتنافسة في إنتخابات شهر أيّار المُقبل. ولا شكّ أنّ التحالف الإنتخابي المُرتقب بين "الوطني الحُرّ" و"تيّار المُستقبل" لن يكون من دون إتفاقات سياسيّة مُكمّلة، أبرزها التعهّد بإعادة تكليف رئيس "المُستقبل" ​سعد الحريري​ ليرأس الحُكومة الأولى بعد الإنتخابات، بغضّ النظر عن حجم الكتلة النيابيّة التي سيفوز بها "التيّار الأزرق"، في مُقابل توفير "المُستقبل" الدعم السياسي للعهد والتنسيق إيجابًا معه على مُستوى إدارة السُلطة التنفيذيّة.

وبالتالي، وعلى الرغم من حتميّة إستمرار التحالف الإستراتيجي بين كل من "حزب الله" و"التيّار الوطني الحُرّ" بالنسبة إلى الخيارات السياسيّة الكُبرى في المنطقة، وعلى الرغم من بقاء دعم "الحزب" لعهد العماد عون وبقاء غطاء "التيّار" لسلاح "الحزب"، فإنّ التغيير الكبير الذي إستجدّ على مُستوى التموضعات السياسيّة الداخليّة، وتبدّل أوليّات الطرفين وإختلاف جزء من مصالحهما الإنتخابيّة والسياسيّة، سيُلقي بظلاله على تحالفهما الثُنائي لا محالة. وقد يكون رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" يتعمّد في تصاريحه وخطاباته الأخيرة تمرير الرسائل العلنيّة إلى "حزب الله" لتحضير الأرضيّة لهذا التحوّل الكبير في خيار التموضع الإنتخابي.

وفي كلّ الأحوال، ومهما كان حرص كل من "التيّار" و"الحزب" على بقاء "ورقة التفاهم" كبيرًا، فإنّ خلافات "التيّار" المُتفاقمة مع العديد من قوى "8 آذار"، وتفضيله التعاون الإنتخابي مع "تيّار المُستقبل"، في مُقابل تموضع "الحزب" الإنتخابي إلى جانب "حركة أمل" بشكل حازم، وإلى جانب باقي القوى والأحزاب الداعمة لخط "المُقاومة"، سيترك نُدوبه على التحالف الإستراتيجي مع "التيّار"، خاصة وأنّ الأزمة الأخيرة بين رئيس ​مجلس النواب​ نبيه برّي ووزير الخارجية جبران باسيل أظهرت إستمرار الحساسيّة الطائفيّة والمذهبيّة في لبنان، وتقدّمها على كل التحالفات العابرة للطوائف!.

(1) شملت هذه المحاور كلاً من: "الحوار"، "الديمقراطيّة التوافقيّة"، "​قانون الإنتخاب​"، "بناء الدولة"، "المفقودين خلال الحرب"، "اللبنانيّين في إسرائيل"، "المسألة الأمنيّة"، "العلاقات اللبنانيّة-السوريّة"، العلاقات "اللبنانيّة-الفلسطينيّة"، و"حماية لبنان وصيانة إستقلاله وسيادته".