غداة تهديدات وزير دفاع إسرائيل ​أفيغدور ليبرمان​ بأنّ ​لبنان​ كلّه سيدفع ثمن تمدّد ​إيران​ في حال إندلاع حرب، وإدعاؤه أنّ الرقعة الجغرافيّة رقم 9 من "بلوكات" النفط هي ملك إسرائيل ولبنان، أطلق ​الجيش الإسرائيلي​ مُناورات عسكريّة واسعة تُحاكي تعرض إسرائيل لقصف صاروخي كثيف من جبهات عدّة، وهي ستتضمّن أيضًا تنفيذ عمليّات إنزال جويّ كبيرة بمُشاركة لافتة من قبل وحدات أميركيّة. فهل تُحضّر إسرائيل لحرب جديدة مع لبنان على خلفيّة النزاع بشأن إستخراج ​النفط والغاز​ من البحر الأبيض المتوسّط؟.

بداية لا بُد من الإشارة إلى أنّ إسرائيل تُنفّذ دوريًا مناورات عسكريّة تختلف من حيث الحجم والنوعيّة، وبالتالي لا ربط مُباشر بين مناوراتها الحالية والتهديدات بشأن "بلوك النفط" رقم 9. لكنّ المُفارقة أنّ فكرة تعرّض إسرائيل لحرب على جبهات عدّة في الوقت نفسه صارت راسخة في أذهان القادة العسكريّين والسياسيّين في إسرائيل أكثر من أي وقت مضى. والمُفارقة الثانية أنّ القادة الأمنيّين الإسرائيليّين أصبحوا على قناعة أيضًا أنّ إستخدام سلاح الجوّ وحده في أي مُواجهة مُقبلة لم يعد كافيًا لربح المعركة، لذلك قرّرت إسرائيل تضمين المناورة الحالية المزيد من الوحدات البرّية، والتدرّب على عمليّات إنزال ضخمة للجُنود مع آليّاتهم في مناطق بعيدة عن سيطرتها المُباشرة. وفي كل الأحوال، إنّ إستعداد إسرائيل للحرب ليس بالأمر الجديد، وهو يحصل بشكل دَوريّ في إطار تكتيك التعبئة العسكرية والمعنويّة التي تنتهجها القيادة العسكريّة الإسرائيليّة للإبقاء على الجهوزيّة النفسيّة لجيشها ولشعبها للحرب، في أعلى درجاتها.

وبالنسبة إلى تهديدات وزير الدفاع الإسرائيليّ بشأن بلوك النفط رقم 9، وقوله خُصوصًا إنّ "الشركات التي ستُقدّم عروضًا في المُناقصة ترتكب خطأ فادحًا..." لا يعني أنّ إسرائيل ستطلق حربًا في المُستقبل القريب بسبب هذا الحقل، بل هي تهدف إلى مُمارسة الضُغوط المعنويّة، وإلى إطلاق الرسائل الإعلاميّة، لإفشال-أو أقلّه، لعرقلة وتأخير إنطلاق الأعمال في الرقعة النفطيّة الجنوبيّة، خاصة وأنّها تتقدّم على لبنان بخطوات إلى الأمام في مجال إستخراج النفط والغاز من ​المياه​ الإقليميّة، والأهم في إيجاد الأسواق لتصديره(1). يُذكر أنّ إسرائيل إستكملت بالتعاون مع كل من قبرص و​اليونان​ و​إيطاليا​ خطّة تقضي بربط حُقول الغاز التي تملكها بالغاز القبرصي عبر أنابيب بحريّة، وذلك لنقل الغاز المُستخرج إلى اليونان، ومن هناك إلى إيطاليا ليوزّع في كامل القارة الأوروبيّة، وذلك إعتبارًا من العام 2025، أي بعد نحو سبع سنوات.

في المُقابل إنّ لبنان الذي أضاع أكثر من خمس سنوات في السباق لإستخراج الغاز والنفط من البحر الأبيض المتوسّط، نتيجة نكايات سياسيّة وخلافات مصلحيّة وحزبيّة ضيّقة، يحتاج لسنوات طويلة بعد ليتحوّل إلى بلد مُنتج فعليًا للنفط، على الرغم من منحه رخصتين حصريّتين لإستكشاف الغاز والنفط في البلوكين 4 في الشمال و9 في الجنوب لإئتلاف من ثلاث شركات، وليس من مصلحته بالتالي حُصول أي تأخير إضافي في إستخراج الغاز من البلوك رقم 9، لأنّ هذه الرقعة تُمثّل ما لا يقلّ عن نصف الإنتاج المُرتقب. إشارة إلى أنّ السُلطة في لبنان تراهن على أنّ إختيار البلوك رقم 9 الذي هو محطّ خلاف مع إسرائيل، سيُؤدّي إلى تدخّل دَولي لحلّ الخلاف، وسيُسفر في نهاية المطاف عن تأمين ضمانات دَولية لتأمين الأعمال بعيدًا عن أي أعمال عسكريّة عدائيّة، خاصة وأنّ المصالح الإقتصاديّة والمالية لشركات كبرى هي على المحكّ. وتراهن السُلطة في لبنان أيضًا على أنّ شركات إستخراج الغاز قد تتجاهل الجزء الأقرب إلى الحدود الجنوبيّة، لعدم التسبّب بمشاكل مع إسرائيل. لكن يبدو أنّ هذه الأخيرة، لا تعترض على جزء صغير من البلوك رقم 9 بحجّة غياب الترسيم الدقيق للحدُود البحريّة، إنّما تعترض على كامل هذه الرقعة.

وبالتالي، الأكيد أنّ أي شركة دَوليّة لا ترغب بالإستثمار في مناطق يُوجد فيها إشكالات حُدوديّة وخلافات بين الدول. ومن خلال تهديدات إسرائيل التي لا تخلو من التلويح بالورقة الأمنيّة، فإنّ حذر الشركات الأجنبيّة سيكون مُضاعفًا، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلبًا على لبنان الذي يأمل تسريع وتيرة إستخراجه لثروته البحريّة، بعد أن سبقته قبرص وإسرائيل في هذا المجال.

وفي الخلاصة، من المُستبعد أن تلجأ إسرائيل إلى حرب بسبب الخلاف على البلوك 9 النفطي، لأنّ لديها العديد من الحُقول التي تستفيد منها حاليًا، ولا تريد لأي توتّر أمني في المنطقة أن يُوقف إستثماراتها المُربحة في قطاعي النفط والغاز، لكن يكفي أن تُبقي إسرائيل ضُغوطها وتهديداتها لتعيق بدء لبنان بإستخراج نفطه وغازه، ولتتمكّن من سرقة موجودات ليست ملكها، مُستفيدة من إتفاقاتها مع قبرص والتي دخل لبنان في جزء منها من دون التدقيق في كامل الخلفيّات. وبالتالي، ليس المطلوب أنّ يُهدّد لبنان بضرب منشآت إسرائيل في حال تعرّضت لمنشآته التي لم تُولد بعد، لأنّ المعركة الحالية ليست عسكريّة، بل هي سياسيّة وإعلاميّة وقانونيّة ودَوليّة، ما يَستوجب مُقاربات أخرى تسمح للبنان بالمُباشرة في التحوّل إلى بلد مُنتج للنفط في العقد المقبل، وعدم إضاعة المزيد من الوقت في بلوك مليء بالمشاكل وقد يدفع الشركات الكُبرى إلى إعادة النظر في قرار الإستثمار والعمل فيه!

(1) تستثمر إسرائيل منذ سنوات في العديد من الحقول، ومن بينها حقل "كاريش" الذي لا يبعد سوى بضع كيلومترات عن الحدود البحريّة اللبنانيّة.