شكل إسقاط طائرة السوخوي الروسية بصاروخ أميركي حراري يعتقد أنه من نوع ستينغر في محافظة ادلب على أيدي تنظيم جبهة النصرة الإرهابي تطورا لافتا في سياق المعركة ضد الجماعات الإرهابية المتحصنة في هذه المحافظة المتاخمة للحدود مع تركيا،

وقد طرح هذا التطور الأسئلة حول ما إذا كان هذا النوع من الصواريخ المتطورة قد وصل إلى جبهة النصرة مباشرة من قبل الولايات المتحدة أم من قبل الدول الموالية لواشنطن التي تملك مثل هذه الصواريخ؟‏

واستطرادا ما هي الغاية من استخدام هذا السلاح في هذا التوقيت بالذات، وما هي تداعياته على الصعيد الميداني؟.‏

أولاً: في التوقيت، من الواضح أن إسقاط الطائرة الروسية واستشهاد طيارها جاء في ظل سلسلة من التطورات والمستجدات الميدانية والسياسية الهامة وهي:‏

التطور الأول: الهجوم الواسع والمستمر الذي يشنه الجيش العربي السوري والحلفاء في مثلث أرياف ادلب حلب حماة والذي حرر خلاله عشرات البلدات والقرى ومطار أبو الضهور الاستراتيجي والحيوي وكذلك بلدة ابو الضهور المهمة، وبات الجيش السوري والحلفاء على أبواب مدينة سراقب الاستراتيجية في محافظة ادلب والتي يشكل تحريرها المنطلق للاتجاه نحو فك الحصار عن مدينتي كفريا والفوعة والعمل على خوض معركة تحرير واستعادة مدينة ادلب. ومعلوم أن هذا الهجوم للجيش السوري والحلفاء يأتي في سياق العمل للقضاء على تنظيم جبهة النصرة والجماعات المسلحة التي تدور في فلكه، في آخر وأهم معاقلهم في محافظة ادلب، بعد أن جرى توجيه ضربة قاصمة للقوة الإرهابية الأساسية وهي تنظيم داعش في معاقله الأساسية في محافظة دير الزور وصولا إلى الحدود مع العراق، ولهذا فإن تحرير محافظة ادلب والقضاء على النصرة فيها سوف يعني توجيه ضربة قاضية للقوة الأساسية للقوى الإرهابية المتبقية، وانتقال الجيش السوري والحلفاء للتركيز على تحرير واستعادة مدينة الرقة وما تبقى من مناطق يسيطر عليها الأكراد وغيرها من الجماعات المسلحة بدعم القوات الأميركية المحتلة، وهي المعركة الأخيرة من الحرب التي تعرضت لها سورية منذ آذار عام 2011.‏

التطور الثاني :نجاح عقد مؤتمر سوتشي في روسيا بجمع أوسع حشد يمثل القوى السياسية في سورية إلى جانب الوفد الرسمي للجمهورية العربية السورية، وفي الخروج بنتائج تشكل انتصارا سياسيا لوجهة نظر الدولة الوطنية السورية وحلفائها، حيث تم الاتفاق على تطبيق مقررات فيينا وقرار مجلس الأمن رقم 2254 بالحفاظ على سيادة واستقلال سورية ووحدتها أرضها وشعبا، وحق الشعب العربي السوري في تقرير مستقبله عبر صناديق الاقتراع، وحق الشعب والجيش والدولة السورية في العمل على تحرير الأرض العربية السورية من الاحتلال الصهيوني وقوى الإرهاب التكفيري، وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية والتأكيد بأن الدولة السورية دولة مدنية غير طائفية ، وإقرار تشكيل لجنة دستورية غير مقررة ترفع توصياتها للمؤتمر.‏

وهذا النجاح جاء بعد أن فشلت كل محاولات واشنطن لعرقلة عقد المؤتمر، وفي ظل مقاطعتها والجماعات الموالية لها للمؤتمر. على أن هذه المقاطعة دللت على أن واشنطن لا تسعى لتحقيق تسوية تنهي الحرب وتحترم سيادة واستقلال سورية، وإنما تريد تسوية تمكنها من تحقيق بعض أهدافها التي شنت الحرب الإرهابية من أجلها، وما عزز هذا التوجه عودة واشنطن إلى استحضار ورقة السلاح الكيميائي باتهام الدولة السورية باستخدامه مع أن اللجنة الدولية التي أشرفت على نزع وإتلاف هذا السلاح في سورية أقرت بأن سورية قد أتلفت كل مخزونها منه.‏

التطور الثالث: احتدام الصراع بين حلفاء واشنطن، تركيا وبعض أكراد سورية، والذي تجسد في العدوان التركي على محافظة عفرين السورية بذريعة منع إقامة كيان كردي انفصالي على الحدود مع تركيا يشكل تهديدا للأمن القومي التركي. ومثل هذا الصراع أربك واشنطن من ناحية، ووفر الفرصة للجيش العربي السوري للتفرغ لتسريع عملية القضاء على النصرة في محافظة ادلب واستعادة هذه المحافظة إلى كنف الدولة من ناحية ثانية.‏

ثانياً: إن استخدام هذا النوع من الصواريخ الأميركية المضادة للطائرات، مع أن أميركا نفت أن تكون قد سلمتها لجبهة النصرة، لا يمكن أن يصل الى هذا التنظيم الإرهابي من أي جهة أخرى حليفة لواشنطن من دون إذن أميركي، إن لم يكن بقرار أميركي، وذلك بغية إرباك هجوم الجيش العربي السوري والحلفاء وتمكين جبهة النصرة من الصمود في محافظة ادلب، واستطراداً الرد أميركياً على نجاح مؤتمر سوتشي بتسليم أسلحة نوعية للتنظيمات الإرهابية كانت تطالب بها منذ سنوات وتتردد واشنطن في تسليمها إليها. وفي كل الأحوال فإن استخدام هذه الصواريخ الحرارية انما يندرج في سياق محاولة إطالة أمد الحرب ضد سورية وحلفائها ومنعهم من انجاز عملية الحسم في ادلب، وإدخالهم في حرب استنزاف تمكّن واشنطن من فرض شروطها السياسية مقابل تسهيل تسوية الأزمة وإنهاء الحرب.‏

ثالثا: لكن ما هي التداعيات المتوقعة، من البيّن أن روسيا سوف تتعامل مع هذا التطور كما تعاملت مع حدث إسقاط طائرتها من قبل الطائرات التركية، وإذا كانت روسيا قد ردّت في حينه على الاعتداء التركي بنشر منظومة صواريخ إس 300 و400 في سورية، وتزخيم قصف الطيران الروسي لمواقع المسلحين ودعم تقدم الجيش السوري بتحرير ريفي حلب الشمالي والشرقي وصولاً إلى تطهير الجزء الشرقي من مدينة حلب، فإن ردّها اليوم على تسليم المسلحين صواريخ ستينغر سيكون بتعزيز قدرات الردع لدى الجيش العربي السوري ودعمه لتسريع عملية الحسم في محافظة ادلب، كما حصل في حلب ودير الزور، ويبدو أن نشر منظومة دفاع جوي سورية جديدة تغطي شمال سورية، حصل عليها الجيش السوري من روسيا، يأتي من ضمن هذا الرد على أي محاولة أميركية أو تركية لإعاقة عملية تقدم الجيش السوري والحلفاء في ادلب، وبالتالي حسم المعركة مع تنظيم النصرة الإرهابي بتسريع تحرير هذه المحافظة الحدودية وصولاً إلى استكمال استعادة سيطرة الدولة الوطنية السورية على كامل أراضيها دون قيد أو شرط بما يحفظ سيادة ووحدة واستقلال سورية بعيداً عن أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية.‏