لم تكن الامور تسير على هذا المنوال منذ اشهر قليلة في الجزيرة الكورية المنقسمة، فقد كان التوتر سيد الموقف واعلن الكثيرون ان الحرب العالمية الثالثة باتت على الابواب وان انطلاقتها ستكون من ​كوريا الشمالية​.

ولكن اليوم، بدا وكأن ما حصل مجرد غيمة صيف عابرة، ولم يعد الحديث عن كوريا الشمالية من زاوية التهديد والعقوبات، او عن زعيمها كيم يونغ اون من زاوية الشر او الديكتاتورية والجنون، بل سادت الروح الرياضية في التعاطي، وذلك بعد ان اعلنت ​بيونغ يانغ​ مشاركتها بوفد في الالعاب الرياضية الشتوية التي تستضيفها جارتها الجنوبية.

فجأة انقلبت المعطيات وطريقة التعاطي، فهل فعلاً تمكنت الرياضة من اصلاح ما افسدته السياسة؟ ليس الامر بهذه السهولة ولا بهذه البساطة، بل اتت الالعاب الاولمبية الشتوية كمخرج مطلوب من الجميع في سبيل تهدئة الاوضاع وسحب فتيل التوتر بعد ان وصل الى مرحلة غير مسبوقة. ف​الولايات المتحدة​ لا ترغب في الوصول الى نقطة اللاعودة، واكتفت بالمواقف التهديدية العالية السقف التي اطقها رئيسها ​دونالد ترامب​، فيما بدا واضحاً عدم جدية التهديد بالخيار العسكري او النووي، حيث كان العمل الدبلوماسي يجري على خط موازٍ، خصوصاً وان اي تصعيد عسكري سيشعل المنطقة بأكملها وكانت حادثة الانذار الخاطىء الذي ساد في "هاواي" حول قرب سقوط صاروخ، كفيل باعطاء فكرة صغيرة عن المشهد المنتظر عند اندلاع الحرب.

بدورها، لا يبدو ان ​كوريا الجنوبية​ مستعدة ايضاً للتضحية بانجازاتها وتقدمها على طريق الاقتصاد والازدهار، وهي تعلم جيداً ان انعكاس اي حرب مع جارتها الشمالية سيؤدي الى خسارتها بنسبة اكثر بكثير حتى لو آلت النتيجة لصالحها، لان تفوقها المالي والاقتصادي والاداري يوزاي اضعاف ما لجارتها في هذا المجال، وليس من السهل اعادة بناء ما يمكن ان يتهدم.

ولا يجب ايضاً اغفال العنصر الصيني من المعادلة، والذي يكاد يكون العقبة الاولى امام اي "جنون" من اي طرف اقليمي او دولي، ولا يمكن لاي كان اتخاذ مثل هذا القرار دون موافقة بكين التي، وفي كل السيناريوهات، لن تقف مكتوفة اليدين وهي ستتدخل بقوة نظراً الى موقعها الجغرافي الحدودي، وهذا يعني اما توسيع حدودها الجغرافية، او توسيع نفوذها العسكري والمناطقي داخل الاراضي الكورية، وفي الحالتين ستكون واشنطن وسيول الخاسرتين الاكبر، علماً ان التحالف الصيني-الروسي قادر على مواجهة اي حملة او ضغط دبلوماسي دولي داخل الامم التحدة و​مجلس الامن​ وخارجهما.

واللافت في تطورات الازمة الكورية، انه في مقابل تخفيف الضغط الاميركي، لاح في الافق تشديد في الضغط الصيني والروسي (على الصعيد السياسي والدبلوماسي طبعاً)، حيث اعلنت موسكو عن طرد العمال الكوريين الشماليين لديها تنفيذاً للعقوبات الدولية، فيما كثّفت بكين ضغطها السياسي على بيونغ يانغ من اجل نزع اسلحتها النووية. كل هذه المعطيات، تشير الى ان التقارب الكوري لم يكن فقط بسبب الرياضة، وان الحلول السياسية تقدمت بفعل حوافز معيّنة اعطيت لكل الاطراف، ومن المؤكد ان كوريا الشمالية ستستفيد بشكل كبير من هذه الحوافز التي يغلب عليها الطابع الاقتصادي والسياسي، على غرار ما حصل مع ​ايران​، مع فارق اساسي وهو ان كيم يونغ اون يرغب دائماً في المزيد، وربما قد يلجأ في مرحلة لاحقة للعودة الى التصعيد علّه يكسب حوافز اضافية وانفتاحاً اكبر يجعله اكثر تمسكاً بالحكم ولفترات اطول.

انها مخاطرة لا بد منها، وهي مدروسة ونتائجها تبقى ضمن المتوقع، وسيرغب الجميع في معرفة ما ستؤول اليه الاوضاع في الجزيرة الكورية، وكيف سيتم التعامل مع بيونغ يانغ، هل عبر طريقة التهديد والوعيد، ام عبر اسلوب آخر قد يكون اكثر جدية؟.