منذ تصريح وزير الدفاع ال​إسرائيل​ي ​أفيغدور ليبرمان​، خطف البلوك رقم 9 الأضواء من كافة الملفّات الأخرى، لا سيما أن إدعاء ليبرمان ملكية ​تل أبيب​ هذا البلوك، الواقع ضمن المياه الإقليمية اللبنانية، يشكل إعتداء واضحاً على السيادة الوطنية.

هذا الواقع، دفع الكثير من الأوساط المحليّة والدوليّة إلى البحث عن كيفيّة معالجة هذه المعضلة، خصوصاً أن التهديدات الإسرائيلية قد تقود المنطقة إلى حرب مفتوحة، في ظلّ وجود ملف آخر يتعلق ببناء تل أبيب ​الجدار الفاصل​ على أراض متنازع عليها.

إنطلاقاً من ذلك، هناك إجماع وطني على مواجهة التهديدات الإسرائيلية، عبر عنه ​المجلس الأعلى للدفاع​، في إجتماعه الأخير، بشكل لا لبس فيه، لكن ما هي الخطوات القانونية التي يمكن القيام بها على هذا الصعيد؟.

في هذا السياق، تؤكد الخبيرة القانونية المحامية كريستينا أبي حيدر نصرالله، في حديث لـ"النشرة"، أن البلوك رقم 9 يقع ضمن المياه الإقليمية اللبنانيّة، لافتة إلى صعوبة ردع المزاعم الإسرائيلية قانونياً بشكل مباشر بسبب حالة العداء بين البلدين.

من جانبه، يرى الخبير في الشؤون الدولية نعيم سالم، في حديث لـ"النشرة"، أن القانون الدولي يترك مسألة ترسيم الحدود للدول المعنية، أي أن ليست ​الأمم المتحدة​ أو القانون الدولي من يقوم بهذه المهمة بل التوافق المشترك بينهما.

وفي حالة النزاع، يوضح سالم أن المسألة تنقل إلى محكمة العدل الدولية أو ​مجلس الأمن الدولي​، موضحاً أن الذهاب إلى الخيار الأول يتطلب ارادة من الفريقين باللجوء إليه، وبالتالي في حال رفضت تل أبيب هذا الخيار لا يمكن أن تقوم المحكمة بأي أمر.

بالنسبة إلى الخيار الثاني، أي أن يطلب لبنان من مجلس الأمن تحديد حدوده كما أقرتها الدول الإستعمارية (فرنسا وبريطانيا)، يوضح سالم أنه في مجلس الأمن هناك ​الولايات المتحدة​، التي لديها حق إستخدام الفيتو على أي قرار، وهي ستكون إلى جانب تل أبيب في هذه المسالة.

في ظل هذه المعطيات، تؤكد نصرالله أن الحل الوحيد هو الوساطة التي من الممكن أن تقوم بها الأمم المتحدة أو دولة مقربة من الدولتين، مشيرة إلى أننا أمام مشكلة قانونية، إذ ان لبنان أعلن أن البلوك 9 يقع في مياهه الاقليمية ونحن في حالة نزاع مع اسرائيل، الأمر الذي يوافق عليه سالم، موضحاً أن هذا الوسيط يجب أن يكون من الدول النافذة التي لها علاقات مميّزة بين البلدين، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، لكنه يسأل: "هل ستضغط هذه الدول على تل أبيب لمنع البلطجة التي تقوم بها على لبنان"؟.

بدورها، تؤكد نصرالله أن على الجهة التي من الممكن أن تتولى الوساطة، أن تعرف ماذا تريد إسرائيل، نظراً إلى أن الأخيرة تتحدث عن ملكيتها الكاملة لهذا البلوك الموجود ضمن الأراضي اللبنانية، معتبرة أن قوات "اليونيفيل" هي أول من يمكنه أن يلعب دورا في هذا المجال.

على صعيد متصل، تشير نصرالله إلى أن موعد الإعلان عن التوقيع على المزايدات لإئتلاف الشركات، الذي يضم كلا من "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية و"نوفاتك" الروسية، على أن تشمل في الوقت عينه البلوكين رقم 4 و9، هو اليوم، متسائلة: "في حال بدأت هذه الشركات العمل ووقع النزاع ماذا سيكون مصير البلوك رقم 4"؟.

وتوضح نصرالله أن هذه الشركات، عندما قدّمت مزايدات، كانت تعرف سلفاً خطورة الواقع بالنسبة إلى البلوك رقم 9، لافتة إلى أنه في الحالات العامّة عندما تكون الدولتان المتجاورتين صديقتين تتعاون الشركة أو الشركات المعنية مع البلدين للوصول إلى أفضل نتيجة، لكن بحالة العداء لا مجال لهذا التعاون أو التفاوض.

بناء على ذلك، تشدد نصرالله على أهمية البدء في العمل، من قبل الجانب اللبناني، لا سيما أن التقديرات تشير إلى وجود مخزون كبير جداً في البلوك رقم 9، لضمان الحقوق فيه خصوصاً أن تل أبيب كانت سبّاقة في العمل.

في ظل هذا الواقع، هناك سؤال أساسي يطرح في بعض الأوساط: "ماذا لو أنهت الشركات المعنية الأمور التقنيّة، التي وجب عليها انجازها خلال عامين، وحصلت حرب عند البدء في أعمال التنقيب، هل يكون على ​الدولة اللبنانية​ دفع تعويضات لهذه الشركات"؟ من وجهة نظر نصرالله لا يمكن إجبار لبنان على ذلك، نظراً إلى أن السبب غير ناتج عن تقاعس الدولة بل بسبب قوة قاهرة هي الحرب.

في المحصلة، الوساطة هي الحل السلمي الوحيد لهذه المسألة، وهو الأمر الذي كانت تقوم به الولايات المتحدة في السنوات السابقة، والذي ظهرت مؤشرات على إحتمال عودته في الساعات الماضية، لكن هل تملك ​واشنطن​ القدرة على أن تكون طرفاً محايداً؟ وما هي الشروط التي من الممكن أن تضعها في هذا الإطار؟.