على الرغم من حسم مسألة تحالف كل من "تيّار المُستقبل" و"التيّار الوطني الحُرّ" في العديد من الدوائر الإنتخابية خلال الإنتخابات النيابيّة المُقبلة في أيّار 2018، فإنّ ما صار يجمع بين الطرفين وما يُحضّرانه للمُستقبل القريب والمُتوسّط، يتجاوز مسألة المصلحة الإنتخابيّة التي ستجمع كل من "المُستقبل" و"الوطني الحُرّ" إلى أطراف سياسية أخرى في دوائر إنتخابيّة مُختلفة. فما هي خلفيّات وأهداف تقارب الكتلتين النيابيّتين الأكبر والأوسع تمثيلاً لدى كل من السُنّة والمسيحيّين على التوالي؟.

بالنسبة إلى أبرز أهداف "التيار الوطني الحُرّ"، وإضافة إلى الهدف المُتمثّل برفع فرص الفوز بأكبر عدد من المقاعد عبر زيادة "الحاصل الإنتخابي" للوائح المُشتركة مع "المُستقبل"، فهي تُختصر بالتالي:

أوّلاً: إنجاح العهد الرئاسي بأقلّ نسبة مشاكل مُمكنة، عبر تنسيق المواقف والخطوات مع جزء أساسي من السُلطة كان يُعتبر قبل ​التسوية الرئاسية​ في موقع الخصم، مع كل الحزازيّات وعمليّات شدّ الحبال التي كانت قائمة نتيجة لذلك.

ثانيًا: أدرك "التيّار" أنّ الطريق إلى موقع رئاسة الجُمهوريّة لا تقتصر على الحُصول على دعم "​حزب الله​"، بل تستوجب مُوافقة "تيّار المُستقبل" أيضًا، لأنّ وصول العماد ​ميشال عون​ إلى منصب الرئاسة، لم يتمّ إلا بعد التسوية مع "المُستقبل" على الرغم من مرور سنتين ونصف من الضغوط، وعلى الرغم من حُصوله على دعم "الحزب" ثم "القوّات".

ثالثًا: يُريد "الوطني الحُرّ"من اليوم قطع الطريق سياسيًا على "تيّار ​المردة​" الذي عينه على منصب الرئاسة أيضًا، عبر توطيد علاقاته مع أهمّ طرف من خارج قوى "8 آذار"، يُمكن أن يخوض معركة النائب ​سليمان فرنجية​ الرئاسيّة في الدورة المُقبلة.

رابعًا: يريد "التيّار" التضييق على "القوّات" في الساحة المسيحيّة، عبر مُنافستها على كسب ودّ "المُستقبل" لأهداف إنتخابيّة أوّلاً، ولغايات مرتبطة بالتوازنات الداخليّة ثانيًا، على الساحتين المسيحيّة والوطنيّة.

خامسًا: يريد "التيّار" إبقاء حاجة "حزب الله" إلى التحالف مع "التيّار الوطني الحُر" أكبر من حاجة "الوطني الحُرّ" إلى "الحزب"، من خلال إظهار وُجود خيارات بديلة له تتمتّع بثقل وازن.

في المُقابل، وبالنسبة إلى أبرز أهداف "تيّار المُستقبل" من التحالف مع "الوطني الحُرّ"، وإضافة طبعًا إلى الإنعكاسات الإنتخابيّة الإيجابيّة في بعض الدوائر، فهي تُختصر بالتالي:

أوّلاً: منع عزل "تيّار المُستقبل" أو تطويقه أو إستفراده في المُستقبل، من خلال نسج علاقة سياسيّة قويّة عابرة للطوائف وللتباين السياسي مع "التيّار الوطني الحُر" القادر على تأمين غطاء سياسي وشعبي واسع.

ثانيًا: ضمان عودة رئيس "المُستقبل" إلى منصب رئاسة الحُكومة، والحُصول على حصّة وازنة في حكومة ما بعد الإنتخابات، بغضّ النظر عن حجم المقاعد التي سيتمكّن "التيّار الأزرق" من الخروج بها في الدورة الإنتخابيّة المُقبلة.

ثالثًا: يرغب "المُستقبل" بقطع الطريق سلفًا على أي زعامات يُمكن أن تبرز على الساحة السنّية بعد الإنتخابات النيابيّة، أكانت من المؤيّدين السابقين الذين خرجوا من صفوف "التيّار الأزرق" أو تمايزوا سياسيًا عنه، أم من الخُصوم التقليديّين للمُستقبل.

رابعًا: يتطلّع "المُستقبل" إلى توجيه رسائل إلى القوى الحزبيّة المسيحيّة وإلى الشخصيّات المُستقلّة التي كانت مُتحالفة معه حتى الأمس القريب، بأنّ خروجها من تحت عباءة "التيّار الأزرق" أو مُواجهته لن يُسفر عن إضعافه، بعد أن نجح في مد جُسور تواصل مع قوى أخرى فاعلة في الوسط المسيحي.

خامسًا: يرغب "المُستقبل" في تأمين حاضنة سياسيّة داخليّة له، تتمتّع بإمتدادات إقليميّة وعالميّة، في ظلّ عدم إستقرار علاقاته الإقليميّة التي كانت تُغنيه في السابق عن أي دعم داخلي.

في الخلاصة، الأكيد أنّ ما يُحضّر بين "تيّار المُستقبل" و"التيّار الوطني الحُرّ" يتجاوز المصلحة الإنتخابيّة المُشتركة، ويرتبط بالتوازنات السياسيّة الداخليّة، وبمنفعة تقاسم السُلطة التنفيذيّة، وإن كان يُغلّف بالحرص على الإستقرار وعلى تحريك عجلة الدولة بشكل سليم.