وسط الملفات السياسية والأمنية الساخنة في ​لبنان​ والمنطقة والتي تبدأ بدفاع لبنان عن حقه في استخراج ​النفط والغاز​ بعد توقيع العقود مع الشركات الاجنبية، مرورا بالاعتراض اللبناني على القرار الاسرائيلي بناء الجدار الفاصل على الحدود الدولية وفي نقاط متحفظ عليها، الى الاصرار على اجراء الانتخابات النيابية في 6 أيار المقبل بعد فتح باب الترشيح رسميا والاستعداد اداريا، وصولا الى الهجوم الاسرائيلي على ​سوريا​ وإسقاط طائرة F16، وما رافقها من غارات وتهديد ووعيد وتوتير على الحدود الجنوبية، قفز الملف الفلسطيني في لبنان الى واجهة الاحداث مجددا من بوابة ​عين الحلوة​ ومن عنوانه الأمني، بعد الاشتباك الذي وقع بين عناصر من حركة "فتح" و"ناشطين اسلاميين" تضاربت الروايات حول أسبابه الحقيقية.

الاشتباك التي سارعت ​القوى الفلسطينية​ الوطنية منها والاسلامية الى تطويقه ومنع امتداده، نجحت في ذلك، غير انه ترك ندوبا كبيرة مع سقوط قتيل مدني هو نجل المسؤول الاعلامي في "الحركة الاسلامية المجاهدة" بسام المقدح، الشاب عبد الرحيم (22 عاما) عن طريق الخطأ برصاصة خرقت صدره لجهة القلب اثناء تواجده في منزله مع عائلته، اضافة الى جريحين وأضرار مادية في الممتلكات، وكشف في الوقت نفسه عن هشاشة الوضع الامني في عاصمة الجنوب، القابل للانفجار مجددا عند أي حادث أمني.

وتؤكد أوساط فلسطينية مسؤولة لـ"النشرة"، ان الأخطر في قراءة "الاشكال" الذي سرعان ما تطور الى "اشتباك مسلح"، على الرغم من وصفه بـ"الفردي" انه جاء في سياق مخاوف فلسطينية متزايدة من توتير أمني مقصود يعيد خلط الاوراق في المخيم من جهة، ويحرف الانظار والاهتمام عن متابعة التطورات السياسية المتسارعة لمواجهة المخطط "الاميركي-الدولي" في تصفية ​القضية الفلسطينية​ وإنهاء عمل وكالة "الاونروا" من جهة أخرى، ما يستدعي إستنفارا سياسيا فلسطينيا مجددا لتحصين استقراره، ومنع وقوع أي إقتتال أو فتنة في هذه المرحلة الدقيقة وخاصة على ابواب الانتخابات النيابية اللبنانية.

لا تبالغ الأوساط، في قراءة الحادث الأمني بأبعاده المختلفة، في مقاربة بين متضررين من النجاح في ترسيخ الاستقرار داخل المخيم منذ أشهر، مع إستمرار العمل على تفكيك قضية المطلوبين التي كانت تشكل "قنبلة موقوتة" قابلة للانفجار في وجه التنسيق الفلسطيني الداخلي حينا والفلسطيني اللبناني حينا آخر، ومع الاستعداد لبدء عملية اعادة اعمار "حي الطيرة" والاحياء المجاورة، وتاليا سحب فتيل التفجير من "القنبلة" الاجتماعية والاقتصادية التي تدحرجت ككرة الثلج غضبا واعتراضا.

وتشدد الأوساط ان ما عزز هذا الاعتقاد هو الحادث الامني الخطير الذي سبق الاشتباك بساعات قليلة، حين القى مجهول قنبلة على خيمة "سوق الخضار"​ وسط المخيم دون أي سبب سوى التوتير، ما أدى الى سقوط جريحين، وتبين أن القنبلة دفاعية وضعت في زجاجة للمزيد من الاذية بعد انفجارها، والهدف منها إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا والجرحى، غير ان العناية الإلهية حالت دون سقوط القنبلة عن الخيمة الى أرضية السوق، ما ادى الى هذا العدد القليل من الاصابات.

وعلى قدر خطورة الحادث الأمني، جاءت إدانة القوى السياسية والإقتصادية والتجارية، التي رأت فيه أبعد من إستهداف أمني فقط، يرقى "مخطط مشبوه" تتكامل جوانبه مع شلّ المرفق التجاري الرئيسي في المخيّم، الذي، بدأ منذ أسابيع قليلة يتعافى من أزمته الخانقة وضيقته، ليخنق المخيم بشقيه الحياتي الخدماتي، الأمني والاجتماعي والاقتصادي معا، كما جاءت دعوة القوى السياسية و"القوة المشتركة" الفلسطينية لتحمل مسؤولياتها كاملة، سيما وان الحادث تزامن أيضا مع ثلاثة إجتماعات هامة تتعلق بهذه النواحي أولها، يتعلق بالأمن الدوائي والغذائي بين "القوة المشتركة" و"اللجنة الصحية" في مجال المراقبة على الادوية والمواد الغذائية، للحفاظ على الأمن الاجتماعي والغذائي والدوائي، حيث خلص الى توافق لوضع اليات للرقابة والتوعية المجتمعية، وثانيها لاعادة اعمار "حي الطيرة" بين قائد القوة المشتركة العقيد بسام السعد ومدير وكالة "الاونروا" في منطقة صيدا ابراهيم الخطيب ومدير المخيم عبد الناصر السعدي، حيث جرى بحث بمختلف الشؤون الحياتية والخدماتية التي تهم أبناء ​الشعب الفلسطيني​، وخاصة إعادة اعمار المنازل المتضررة بالاحداث الاخيرة وتسهيل دخول مواد الاعمار وازالة العوائق والعقبات امام الجهات المانحة لتقديم العون في مجال الخدمات والاعمار، وثالثها مع لجنة "حي الطيرة"، حيث جرى بحث سبل تسهيل اعادة اعمار المنازل المتضررة وازالة العوائق والعقبات الطارئة والمحافظة على الحد المقبول من الهدوء والاستقرار في الحي.

ومقابل الادانة، شدد قائد "القوة" العقيد السعد، "ان "القوة المشتركة" سوف تضرب "بيد من حديد كل العابثين بأمن أهلنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بعد أن تجاوز الاعتداء كل الحدود والمعايير الوطنية والشرعية والاخلاقية"، بينما رفض المسؤول السياسي لحركة "حماس" في لبنان الدكتور أحمد عبد الهادي أي عمل ضد "القوّة المشتركة" في المخيم والتي هي محل إجماع كل الفصائل الفلسطينية، وبينهما دعا منسق العلاقات الخارجية في "​حركة الجهاد الإسلامي​" في لبنان شكيب العينا، الى ضرورة حفظ الاستقرار والأمن في المخيّمات كافة، ولا سيما في ​مخيم عين الحلوة​، وعلى أهمية استمرار الجهود لتوفير أفضل العلاقات بين ​المخيمات الفلسطينية​ في لبنان ومحيطها ومع ​الشعب اللبناني​ الشقيق.

خلاصة القول، عين الحلوة اليوم تحت عين المجهر الدولي، وكل حدث امني فيه قد يستغل لاستدارج القوى الى اقتتال داخلي او فتنة، ستؤدّي بطريقة غير مباشرة الى تنفيذ ما يخطط في الكواليس الدولية لتصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة، وعندها لن ينفع الندم.