بلغ عدد الغارات والضربات الإسرائيليّة على أهداف في ​سوريا​ إعتبارًا من العام 2013 حتى تاريخه، نحو 30 هجومًا، ومن المُلاحظ أنّ وتيرة هذه الإعتداءات والخروقات الأمنيّة بلغت ذروتها خلال الأشهر القليلة الماضية، علمًا أنّ الهدف منها العمل على إفشال سعي "محور المُمانعة" لتحويل سوريا، وخاصة الجنوب السوري، لقاعدة عسكريّة محصّنة تتحرّك فيها وحدات سوريّة وإيرانيّة ولبنانيّة تحضيرًا للحرب الكبرى المُقبلة مع إسرائيل. لكنّ ما حصل خلال الغارات الأخيرة نقل هذا الصراع إلى مرحلة بالغة الخُطورة، يُمكن أن تُطيح بكل الخُطوط الحمراء في المُستقبل. فما الذي حدث، وما هي التوقّعات بالنسبة إلى ما سيحدث في المرحلة المُقبلة؟.

بحسب المعلومات المُتوفّرة، إنّ الوحدات العسكريّة المُناهضة لإسرائيل والتي تعمل بمُحاذاة ​الجولان​ السوري المُحتلّ، أرسلت ليل الجمعة–السبت الماضي، طائرة من دون طيّار أي Drone فوق المنطقة المُحتلة من الهضبة السوريّة، لهدفين: الأوّل تصوير أكبر قدر مُمكن من المواقع الإسرائيليّة في المنطقة، والثاني إستدراج الإسرائيليّين لردّ فعل جوّي، كما حصل خلال حوادث مُشابهة في الماضي غير البعيد. وما أنْ قام سلاح الجوّ الإسرائيلي بإسقاط الطائرة المُسيّرة عن بُعد، بصاروخ جوّ–جوّ أطلقته طوّافة هُجوميّة من طراز AH-64 Apache، حتى أرسل سربًا من طائرات F15 و F16 من الجيل الحديث والأكثر تطورًا، لضرب مجموعة من الأهداف في مطار "تيفور" في ​ريف حمص​، والذي إنطلقت منه الطائرة من دون طيّار بحسب ما رصدته ​الرادارات​ الإسرائيليّة، حيث جرى تدمير برج المُراقبة في المطار وأجزاء من مدرجه، وذلك كردّ على الإختراق الجوّي الذي حصل. لكن "الطُعم" المُتمثّل بالطائرة المُسيّرة عن بُعد التي أرسلت إلى الجزء المُحتل من الجولان، في الوقت الذي كانت فيه أنظمة الدفاع الصاروخيّة السُوريّة بكامل جُهوزيّتها، والذي نجح في جذب الطائرات الإسرائيليّة للردّ، سمح بإستهداف الطائرات الإسرائيليّة بعدد كبير من ​صواريخ​ أرض-جوّ خلال فترة زمنيّة قصيرة جدًا. وتردّد أنّ الطائرة الإسرائيليّة التي سقطت كانت الأقرب إلى مجال هذه الصواريخ، وقد إستهدفت وحدها بما مجموعه 14 صاروخًا، الأمر الذي منع طيّاريها من مُواصلة تجنّب الصواريخ بنجاح، فأصيبت وسقطت في أجواء الجليل أثناء عودتها من مهمّتها.

لكنّ القيادة الإسرائيليّة رفضت أن تنتهي المُواجهة التي حصلت بالشكل الذي إنتهت فيه، أي إسقاط الطائرة من دون طيّار وتدمير جزئي للمطار الذي إنطلقت منه، في مُقابل سقوط طائرة نفّاثة هُجوميّة للجيش الإسرائيلي، فأمرت الجيش بشنّ مجموعة من الغارات الجديدة هي الأعنف على أهداف سوريّة منذ المُواجهات بين الطرفين في لبنان في العام 1982، طالت ما مجموعه 12 موقعًا عسكريًا(1)، مع الحرص على تنفيذ هذه الغارات الجديدة عبر صواريخ "ذكيّة" تُوجّه من إرتفاعات شاهقة ومن مسافات بعيدة، علمًا أنّ الدفاعات الصاروخيّة السوريّة حاولت مرّة جديدة إعتراض الطائرات المُغيرة، مُطلقة نحو 20 صاروخًا أرض–جوّ في إتجاهها، لكن من دون النجاح في إسقاط أيّ منها.

وعلى الأثر، سارعت القيادة الإسرائيليّة إلى التواصل مع الجانب الروسي عبر قنوات إتصال رفيعة، في مُحاولة لمنع تحوّل المُواجهة إلى حرب شاملة، في حال قيام الجانب السوري والقوى الحليفة بأي ردّ جديد، حيث تردّد أنّ الجيش السُوري كان على وشك إطلاق مجموعة من صواريخ أرض–أرض من طراز Scud باتجاه أهداف عسكريّة إسرائيليّة، قبل أن يتم التخلّي عن الفكرة في الدقائق الأخيرة قُبيل التنفيذ، بضغط روسي مباشر.

وبالنسبة إلى ما سيحصل في المُستقبل القريب، وعلى الرغم من التدخّل السياسي الضاغط من الجانب الروسي، والذي نجح في منع تحوّل معركة الطائرات والصواريخ إلى حرب شاملة ومفتوحة، فإنّ اللعب على حافة الهاوية–إذا جاز التعبير سيستمرّ. فالقرار الإيراني المُتفق عليه مع ​النظام السوري​، والقاضي بإستمرار بناء خط قتالي محُصّن في محيط الجولان السوري المُحتلّ وصولاً إلى ​مزارع شبعا​ اللبنانيّة المُحتلّة، ليلتقي مع الخُطوط الدفاعيّة الموجودة في الجنوب، لن تُعيقه بضع غارات إسرائيليّة. وبالتالي، إنّ أعمال بناء التحصينات العسكريّة تحت الأرض، وتدريب الأفواج القتاليّة المزوّدة بصواريخ مُتطوّرة مُضادة للدروع وللدبّابات، وتطوير أنظمة الدفاع الجوّي ضُدّ الطائرات، ستتواصل من جانب "محور المُمانعة"، بموافقة روسيّة كونها تدابير دفاعيّة وغير هُجوميّة ولا تخرق التفاهمات الأمنيّة الروسيّة–الإسرائيليّة.

في المُقابل، إنّ الغارات الإسرائيليّة المُتكرّرة لعرقلة هذه الأعمال، ولإلحاق الأضرار ببناها التحتيّة ستتواصل بدورها بغطاء أميركي بحجّة الدفاع عن أمن إسرائيل. والمُفارقة أنّ ما كان يُمثّل نزهة للطائرات الإسرائيليّة في السابق، لم يعد كذلك حاليًا، بعد تطوير وتحديث جزئي لأسلحة الدفاع السوريّة أرض-جوّ بمُساعدة روسية، وبعد إتخاذ قرار سوري-إيراني بإعتراض أي إعتداء إسرائيلي على الأراضي السوريّة، حتى لو لم يتمّ خرق الأجواء السورية-كما يطلب الجانب الروسي من إسرائيل بإلحاح. وبالتالي، حتى لوّ جرى إطلاق صواريخ جوّ-أرض من طائرات إسرائيليّة تُحلّق فوق الجليل أو حتى داخل الأجواء اللبنانيّة في البقاع، فإنّ صواريخ أرض–جوّ السوريّة ستلاحق هذه الطائرات وستُحاول إسقاطها.

وفي الختام، صحيح أنّ التدخّل السياسي الروسي نجح هذه المرّة في لجم التوتّر عند الحُدود التي بلغها، لكن الإستمرار المُتوقّع للضربات الإسرائيليّة ضُدّ ما يُحضّر له من قواعد ومن بنى تحتيّة عسكريّة في سوريا، يعني حُكمًا أنّ مُواجهة الأيّام القليلة الماضية ستتكرّر. ومن شأن سُقوط أي طائرة إسرائيليّة جديدة، أو أسر أي طيّار، أو إطلاق أي صواريخ Scud سوريّة ردًا على أي غارات جديدة، أن يؤدّي إلى مُواجهة أمنيّة أكثر خُطورة مما حدث أخيرًا، ومفتوحة على كل الإحتمالات.

(1) تردّد أنّ الغارات الإسرائيليّة التي جرى التعتيم على أهدافها ونتائجها إستهدفت مواقع عسكريّة سورية وللقوى الحليفة في جنوب وغرب دمشق وفي ريفها أيضًا، وكذلك في شمال درعا وفي منطقة ​القلمون​ الشرقي. وقد أسفرت عن تدمير بعض الرادارات وأنظمة الدفاع أرض-جوّ، إضافة إلى إصابة ثكنات ومراكز عسكرية ومخازن ذخيرة، بعضها تابع للحرس الجمهوري وللفرقة الرابعة في ​الجيش السوري​، بأضرار جسيمة.