رفع ​المجتمع المدني​ في بلدتي برجا في قضاء ​الشوف​ الصوت عالياً أمام تزايد أعداد الإصابات بمرض السرطان، جراء ما وصفها حزام الملوّثات الذي يحاصر البلدة من أكثر من جانب.

الصرخة التي اطلقها المجتمع المدني البرجاوي عبر مواقع التواصل الاجتماعي جاءت بعد ازدياد حالات الوفيات بالسرطان، لا سيما بين الشبان، ومواطنين في منتصف العمر، يسعى المجتمع المدني إلى إيصال الصوت إلى الجهات النافذة بالدولة لإيقاف هذا القاتل المتسلسل عند حده.

ففي برجا ومنذ سنوات طوال كنا نسمع بفلان مصاب بمرض عضال، واسم المرض لا يُذكر بل يُقال باللهجة البرجاوية العامية (معو هداك المرض).

اليوم أصبح "هداك المرض" جزء من الحياة البرجاوية، وبات السرطان جزءا أساسيا من بلدة محاطة بكل مقومات ​التلوث​ القاتلة، لم يعد الاسم مخيفا بالنسبة لأهالي بلدة يوجد فيها أخبث أنواع السرطان.

ولكن المخيف أن مسبّبات المرض قائمة أمام عيون الجميع، وتحيط البلدة من كل جوانبها، والدولة غائبة أو عاجزة أو مقصّرة بمعالجة الأسباب، أو ربما راضية بواقع الحال المرير والله أعلم.

السرطان في برجا لا يستثني أحدا، من كل الأعمار والطبقات والفئات. في كل يوم تسمع باسم جديد سقط في دوامة الموت البطيء، وبعد أشهر قليلة يصبح الاسم في عداد الأموات ويدخل في الذاكرة البرجاوية.

برجا أصبحت عدّاداَ لموتى السرطان، وأصبحت تترحم على كبارها وصغارها من كل العائلات، وأصبح الحزن يومياً لا يفارق أحدا، فالكل خاسر، والجميع مهدّد بأن يصبح رقماً على لائحة الموت.

في أزقة برجا وحاراتها وأحيائها وشوارعها أسماء كثر رحلت إلى خالقها الرحيم، الذي لا اعتراض على حكمه، بل تسليم بقضاء الله وقدره.

ولكن يجوز الاعتراض على أدوات إصابة برجا بالسرطان، من أجل غاياتهم الأنانية وزيادة ثرواتهم غير آبهين بصحة الآلاف من السكان ولا بمصيرهم.

برجا المريضة هذه رغم آلامها ووجعها المستمر، فيها نخبة كبيرة من أصحاب العلم وحملة الشهادات وأصحاب المراكز في ​الدولة اللبنانية​، وهي لم تبخل يوماً على الدولة في تقديم أي من أبنائها في خدمة وطنه. ولكن في المقابل ألا تستحق أن تنظر لها الدولة وتسخّر طاقتها وأجهزتها أقله في سبيل حماية أهلها من الملوثات الناجمة عن معامل الكهرباء والإسمنت و​النفايات​. أم أنها تعاقب على مواقفها الطبيعية بحقها ببيئة نظيفة؟!.

أهالي برجا لا يطالبون السلطة بأمر تعجيزي، إنه حقهم بأن يحاربوا مرضاً خبيثاً يفتك بشيبهم وشبابهم. ولعل أحداً يستجيب لندائهم.

السرطان منتشر في البلدة مثل انتشار الملوثات في سمائها ومائها وهوائها والعداد مستمر بتسجيل الضحايا.

هذا لسان حال كل من في برجا، فالمريض أصبح رقماً يُشطب اسمه من سجل النفوس ومن لوائح ​الانتخابات​، ليسجل بعدها في سجل الأموات.

ونحن اليوم في موسم الانتخابات وموسم الوعود واللقاءات والحشود الشعبية، والمطالبة بتمثيل برجا بنائب في البرلمان.

ويا ليت برجا تُمثَل بأحد أبنائها، ويكون مصاباً بمرض السرطان لأنه الوحيد القادر على نقل هذه المأساة إلى البرلمان وساكنيه الحصريين منذ سنين.

وفي الختام يجب التذكير أن التعريف العلمي للسرطان هو أنه مرض فتّاك يحصل عبر نمو خلايا خارجة عن السيطرة في الجسم، وتعود معظم حالات الوفاة فيه إلى ارتفاع مستويات التلوث، وغياب الرعاية الصحية الوقائية.

أما بالنسبة لبرجا، فإنتشار السرطان أصبح خارجاً عن السيطرة، لأنه لا حياة لمن تنادي!.