بعيداً عن الشعارات والتحليلات العاطفية، يوم10/2/2018 على الصعيد السياسي والعسكري الدولي، هو يوم مِفصَلي في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي. الدفاعات الجوية للجيش العربي السوري تسقط مقاتلة ​اسرائيل​ية من طراز F16 كانت بصدد تنفيذ غارة على الأراضي السورية.

ليس "حدثا عابرا" كما أراد الجانب الإسرائيلي تصويره. إنّه حدث دفع بالسلطات الإسرائيلية إلى التوسّط مع ​روسيا​ لضبط الوضع وتوسّل التهدئة مع جانب محور المقاومة على الرغم من صيحات التهديدات الإسرائيلية التي تعالَت ضدّ ​ايران​. صفّارات انذار الحرب الكبرى في المنطقة أُطلِقت.

في المشهدية هذه، تتوجّه الأنظار نحو الموقف الروسي العسكري فيما اذا اندلعت الحرب، ولكن في المقلب السياسي، الحرب الدولية في المنطقة ما زالت بعيدة و ذلك للأسباب التالية:

أولاً-روسيا عسكريا إلى جانب المحور المقاوم في ​سوريا​ صحيح، لكن، مصالحها مع اسرائيل الاقتصادية والاجتماعية استراتيجية. ليس من مصلحة روسيا اليوم الدخول بحالة عداء مع اسرائيل لما لذلك من انعكاسات سلبية على وضعها الداخلي على كافة الصعد، لا سيما أنها مقبلة على انتخابات رئاسية. الرئيس ​فلاديمير بوتين​ المرشح الرئاسي الأول، لن يغامر في قلب المعادلة ضده شخصيا لا سيما من اللوبي اليهودي في روسيا. أحداث عام 1998 الإقتصادية التي خلّفت انهيارا مالياً ضخما في بلاده، كان سببها كبار رموز الرأسمالية اليهودية، ما دفع بالكرملين آنذاك الى الضغط على الرئيس يلتسين لتقديم استقالته وتمّ حينها تعيين الرئيس بوتين قائما بالأعمال. فلاديمير بوتين لن يترك التاريخ يعود. فكيف اذا كان ضدّه؟ حتماً كلا. روسيا لا شكّ ستستمرّ بفرض التهدئة وعدم التصعيد بوجه اسرائيل في الوقت الراهن.

ثانياً-الولايات المتّحدة الأميركية تعلن أنها الى جانب اسرائيل في حقها بالدفاع عن نفسها، صحيح، هي لن تتخلى عن حليفتها في ​الشرق الأوسط​ أيضاً، صحيح، فهي تمدّها بمساعدة عسكرية سنوية بقيمة 3 مليار دولار. ولكن، سقطت أوهام التفوق العسكري بينهما.

في العام 2013 كشف مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية –البنتاغون- أن بلاده وقّعت مع اسرائيل صفقة بيع 7طائرات حربية من طراز F16 تراوح مبلغ الصفقة بين 4 و7 مليار دولار إضافة الى صواريخ مضادة للدفاعات الجوية ورادارات وطائرات امداد. وصرّح أن اسرائيل تضمن تفوقها العسكري بذلك في المنطقة. في 2017 الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ يعقد صفقة بيع أسلحة وطائرات للسعودية بمبلغ 350 مليار دولار. عبّرت اسرائيل عندها عن انزعاجها وقلقها لأن ذلك قد يهز قاعدة "تفوقها العسكري". في 2018 الجيش العربي السوري يسقط عبر دفاعاته الجوية طائرة الـF16 الاسرائيلية. حتماً، سقطت الطائرة ومعها المعادلات والرهانات وأوهام القوى العسكرية. لا شك أنّ ​الولايات المتحدة الأميركية​ ستعيد دراسة مستوى القوى العسكرية لحلف الأطلسي في المنطقة. لا تٌشَنّ الحروب في لحظات تاريخية اهتزّت فيها الثقة بالقدرات العسكرية والمالية. لم يسلَم الرئيس الأميركي من الاتهامات والمساءلات عن مسؤولية سياساته في سقوط مؤشرات الأسواق المالية التي شهدها الاقتصاد الأميركي في الأسبوع الماضي. دونالد ترامب لن يدخل بلاده في حرب ترهقها ماليا فهو لا يملك استراتيجية دفاع اقتصادية أمام أزمة الحروب.

ثالثاً-اسرائيل تهدد ايران. والثانية تتوعّد الأولى. ​حزب الله​ أعلن أنه ومحور معه سيردّون بالوقت والمكان المناسبين. اسرائيل تعترف أنّ حزب الله يمتلك أسلحة استراتيجية خطيرة. الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سبَق أن هدّد اسرائيل بضرب مفاعلها النووي ونصح اليهود غير الصهيونيين بمغادرة البلاد. تحاول اسرائيل الضغط على الحلقة الأضعف كما تظنّ أي ​لبنان​. تكثّف من استفزازاتها لجرّه الى حرب أو فتنة، هي تريد تعويض فشلها في اسقاط النظام السوري وتقسيم سوريا بواسطة إرهاق حزب الله ولبنان إمّا بفتح جبهة حربية على حدودها الشمالية قد تريح حدودها مع سوريا من الوجود "الايراني " كما تسمّيه، أو بممارسة الحرب النفسية والإكثار من الضغوط بما فيها التخطيط مع حليفتها أميركا حول توسيع دائرة العقوبات المالية. الطائرات الحربية الاسرائيلية والزوارق تخترق يوميا السيادة الوطنية. ​الجدار الفاصل​ بات قضيتها الأولى وها هي تدّعي ملكيتها للبلوك النفطي رقم 9 بالمقابل، أتى الموقف الرسمي الموحد من رؤساء الجمهورية و​المجلس النيابي​ والحكومة، ومن ​الجيش اللبناني​، والمقاومة المهدّد لاسرائيل ضاربا كل الرهانات الاسرائيلية على تخويف وتأجيج وتقسيم الوضع السياسي والأمني الداخلي اللبناني. ​الرئيس ميشال عون​ ولئن لم يقم بعد بزيارة الرئيس السوري ​بشار الأسد​، فهو أعلن بأكثر من موقف أن علاقة لبنان بسوريا أقوى من أي وقت مضى.

رابعاً-حكومة ​بنيامين نتانياهو​ الاسرائيلية تتعرّض لاعتراضات شرسة داخلية وخارجية من بعض اللوبيات اليهودية التي تعارض سياسة اسرائيل الخارجية. السعودية في وضع سياسي دقيق مع حليفتها الولايات المتحدة الأميركية على خلفية سياساتها في المنطقة لا سيما في ​العراق​، ​اليمن​، سوريا وقطر. قطر الصديقة لايران سجلت تفوقا على السعودية في علاقاتها الخارجية بعد الأزمة الخليجية لا سيما مع أميركا. وزير خارجية قطر يؤكد أن الولايات المتحدة الأميركية كانت على إدراك كامل أن الاتهامات الخليجية ضدها باطلة. من جهتها اميركا تعلن عن استراتيجية اميركية–قطرية في مسائل الأمن الاقليمي. بالمقابل ولي العهد السعودي سيسعى أكثر الى تثبيت علاقاته الخارجية بعد الأحداث التي استجدت في الداخل السعودي على خلفية ملف الفساد.

خامساً-سوريا لم تتقسّم. الرئيس السوري بشار الأسد يسجّل النقاط في صموده بوجه محاولات إسقاط نظامه الواحدة تلو الأخرى؛ ميدانيا اليوم استعادة الأراضي التي كانت تحت سيطرة الارهابيين، الهدف الأول للجيش العربي السوري وحلفائه، تماسك السلك الدبلوماسي السوري لعب دورا دوليا خفيا في تقويض السياسات المعادية للنظام. لا بدّ من القول أنه انتهت عند سوريا حقبة ما سميّ "الربيع العربي" في تاريخنا الحديث. بدّل الميدان السوري موازين القوى السياسية والعسكرية الدولية ولكن، تأرجحت موازين القوى الاقتصادية والمجتمعية. إنّ اسقاط المقاتلة الاسرائيلية سيدفع الى خلط أوراق في المنطقة لجهة الحلول السياسية في سوريا، ما يشير الى توسّع دائرة الفرقاء الداخلين على خطّ الحلول السياسية من دول اوروبية وعربية، قد تكون ​تركيا​ بعهد أردوغان أول المتضررين منها، أو الساعين الى ايجاد موقع بينها بشروط شبه شكليّة أولها الانسحاب من سوريا بحجة "القضاء على الإرهاب".

ما سبق يؤكّد أن ​التهديدات الاسرائيلية​ بالحرب واهنة والحرب بعيدة في المدى القريب. الحقبة اليوم هي الحوار على بقاء "الرؤساء" ولم تعد قضية اسقاط رئيس هنا ونظام هناك. إن جنّ أحدهم، حتماً سندخل حربا كونية، ليس هنالك في المعادلة الحديثة الاقليمية بلداناً من العالم الثالث.