ليست المرة الاولى التي تحوم فيها الشبهات حول رئيس الوزراء ال​اسرائيل​ي الحالي ​بنيامين نتانياهو​، لكنها هذه الفترة تبدو اكثر جدية وحدة. وما يعزز هذا الاقتناع، استطلاعات الرأي التي اظهرت ان الثقة الشعبية بنتانياهو تراجعت بشكل كبير، وبات العديد من الاسرائيليين يرغبون في رؤية نهاية المستقبل السياسي لرئيس الحكومة. ومع تسريب نية ​الشرطة الاسرائيلية​ بتوجيه اتهام مستند الى معطيات وادلة بتلقي رشاوى وتبادل خدمات مع ناشر صحيفة "يديعوت احرونوت" ارنون موزس، كبرت المسألة وتعاظمت ووصلت الى حد الخطر على من كان يُعتبر في فترة من الفترات "ايقونة" الاسرائيليين. اما الثقل الاساسي للدعاوى القضائية التي ستوجّه، فيكمن في ما يحكى عن شهادة زعيم المعارضة والمنافس الرئيسي لنتانياهو ​يائير لابيد​ في احدى القضيتين، وهو الامر الذي قسم الرأي العام بين مشكك في اقوال لابيد، وداعم بالمطلق لفساد نتانياهو.

في مطلق الاحوال، لا يبدو ان تصرفات رئيس الحكومة قد اثرت على حزبه الذي بقي، وفق الاستطلاعات، الاكثر تفضيلاً لدى الاسرائيليين، ما يعني ان النقمة هي شخصية وليست سياسية، وان الاسرائيليين قد ملّوا من تصرفات نتانياهو و"فوقيته" في التعاطي مع منافسيه المحليين، والمسؤولين الدوليين. اضافة الى ذلك، حصلت تحوّلات كثيرة في المنطقة، دفعت الاسرائيليين الى اعادة التفكير بمدى جدوى بقاء نتانياهو في السلطة، وهو الذي اختاروه ليعزز قدراتهم العسكرية والردعية في وجه الفلسطينيين و​حزب الله​ و​ايران​ وغيرهم...، فإذا بهم يفاجأون بتراجع كل هذه المعطيات. وبعد ان كانت اسرائيل تملي شروطها على دول المنطقة غير عابئة بتبعات قراراتها، باتت اليوم بحاجة الى غطاء دولي لاي قرار تتخذه قد يؤثر على الوضع العام، ولم يعد تفوقها العسكري سلاحها الامضى الذي لطالما استندت اليه لفرض سيطرتها ونفوذها، حتى ان الفلسطينيين باتوا يشكلون خطراً امنياً وعسكرياً عليها.

الوضع اليوم مغاير عما كان عليه في السابق، ورهان نتانياهو على الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ لانقاذه من وضعه الدقيق، قد لا يكون في محله. فترامب مشغول بأمور اخرى، ومعروف انه لا يولي الوضع في منطقة ​الشرق الاوسط​ اولوية، والامر الوحيد الذي سلّفه لنتانياهو هو اعترافه ب​القدس​ عاصمة لاسرائيل دون ان يقرن القول بالفعل بعد، ودون ان يتمكن من جمع عدد كاف من الدول للوقوف الى جانبه في هذا القرار. في المقابل، لن يكون لجوء نتانياهو الى الحل العسكري سهلاً كما كان في السابق، فالامر يحتاج الى غطاء دولي غير متوافر في الوقت الراهن، والدخول الروسي الفاعل والاساسي على الخط في المنطقة اعاد رسم استراتيجيات معيّنة لم تكن في السابق، كما ان تعاظم الدور الايراني في الشرق الاوسط وتشرذم العرب ساهما في فرض واقع جديد على الصعيد العسكري.

ومع استبعاد المغامرات العسكرية غير المدروسة، والوضع الداخلي المتأزم تجاهه، لا يبدو ان امام نتانياهو الكثير من الوقت قبل ان يجد نفسه امام مفترق خطير في حياته السياسية، وقد يرى حزب الليكود الذي ينتمي اليه انه من الافضل التضحية بشخص من اجل مصلحة الحزب، علماً ان الحزب لا يزال في وضع جيد وان اي انتخابات ستجرى بغياب نتانياهو سترتد ايجابا ًعلى الليكود وعلى فرصه للبقاء في السلطة وكسب اكبر عدد ممكن من المقاعد، وربما التنسيق مع المعارضة للخروج من هذه المعضلة.

الايام القليلة المقبلة ستكون كفيلة بتظهير الصورة الاخيرة للوضع الداخلي الاسرائيلي، فتوجيه التهم يعني بدء العد العكسي لافقاد نتانياهو سيطرته ونفوذه، وربما غيابه عن المسرح السياسي، اما التغاضي عن تقديم الدعاوى القضائية فسيعني حصول تسوية داخلية وخارجية تمتد لفترة ما بعد ترسيم الوضع الجديد للمنطقة