بدا وزير خارجية ​الولايات المتحدة الأميركية​ ​ريكس تيلرسون​ في بيروت مستمعا أكثر منه متحدثا او حاملا لطروحات او وساطة لحل الأزمات الجديدة المتفجّرة مع ​اسرائيل​، سواء المرتبطة بالحدود البرية أو تلك البحرية. سياسة "المستمع" سبقه اليها مساعد وزير الخزانة لشؤون مكافحة ​تمويل الإرهاب​ في ​الولايات المتحدة الأميركية​ ​مارشال بيلينغسلي الذي زار ​لبنان​ الشهر الماضي، فظن المسؤولون اللبنانيون انّه يحمل عقوبات ماليّة جديدة او اجراءات متطورة ستفرض واشنطن على المصارف اعتمادها، لمواصلة التصدي لولوج ​حزب الله​ الى النظام المصرفي اللبناني. لكن بيلينغسلي لم يحمل اي من هذا في جعبته، بل هو فاجأ من التقاهم باعتماد خطاب حادّ بوجه حزب الله و​ايران​ لدرجة وصفه للحزب بـ"السرطان في قلب لبنان"، متحدثا عن "الأهمية القصوى التي توليها واشنطن لتحجيم الدور والنفوذ الايراني في المنطقة"، وان كان لم يقدم اي توضيحات بخصوص الخطّة الأميركية في هذا المجال.

ويبدو ان ما بدأه بيلينغسلي استكمله تيلرسون الذي حثّ الشعب اللبناني على وجوب "الشعور بالخطر من تصرفات حزب الله"، وكأنّه وبطريقة او بأخرى يدعو اللبنانيين لمحاسبة الحزب من خلال صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية المقبلة، "بعد المعلومات والمعطيات المقلقة التي وصلت الى ​الادارة الاميركية​ ومفادها ان الحزب وحلفاءه سيحصدون الأغلبية المريحة وسيبسطون سيطرتهم على الحكم في لبنان". وفي هذا المجال، تكشف مصادر مطّلعة أن "اولويات واشنطن حاليا في الشرق الاوسط تنحصر باحتواء أذرع ايران في المنطقة وعلى رأسها ​الحرس الثوري الايراني​ وحزب الله"، لافتة الى انّها "ولهذه الغاية تعمل على جبهتين، ماليا، من خلال سعيها لقطع كل وسائل التمويل عن الحزب، وسياسيا، من خلال ممارسة الضغوط على دول في ​اوروبا​ وآسيا لعزله سياسيا والسعي لادراجه على لوائح ​الارهاب​ على مستوى دولي". وتضيف المصادر: "الا أن الاشكالية الرئيسة التي تواجه الاميركيين هي حرصهم على ألا تؤدي زيادة الضغوطات على الحزب الى المس بالاستقرار اللبناني الذي يتعاطون معه كخط أحمر لاعتبارات عدة، وأحدها ملف الغاز و​النفط​ الذي يؤخذ بالحسبان كملف استراتيجي دولي، يوجب المحافظة على الاستقرار لضمان عدم تأخير مشاريع استخراج الثروات الطبيعية المرصودة".

ويعي حزب الله تماما الهدف من الحراك الأميركي المستجد في بيروت. فهو وان سمع بوضوح التصريحات التي أدلى بها تيلرسون في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ في السراي الحكومي، لجهة اصراره على توضيح اللبس الذي طبع التصريحات الّذي اطلقها في ​الاردن​ ظن البعض انّها تحمل متغيرات بالموقف الرسمي الأميركي من حزب الله، يتوقع ان تزداد الضغوط عليه قبل موعد الانتخابات النيابيّة بعد الاستطلاعات التي رجّحت حصوله وحلفائه على الأكثرية النيابية. وتشير مصادر في ​قوى 8 آذار​ مقرّبة من الحزب الى ان "أكثر ما تخشاه واشنطن في هذه المرحلة هو ارتماء لبنان كليا في حضن محور المقاومة، ما سيشكل خسارة استراتيجية بالنسبة لها، تعمل على تفاديها واستباقها بتحركات ووسائل شتى". وتضيف المصادر: "لا شك ان ملف الحدود البحرية والبرية من الملفّات الاساسيّة البارزة التي تسعى واشنطن لحسمه لصالح حليفتها اسرائيل، لكن لا شك انّها فهمت تماما ان وحدة الموقف اللبناني ستقطع الطريق على اي محاولات منها لفرض أمر واقع ظنت انّها ستمرره بدبلوماسية".

بالمحصّلة، يبدو واضحا ان النيّة الاميركية بالتصدّي لاستحواذ حزب الله على شرعية سياسيّة وشعبيّة أكبر من تلك التي يتمتع بها حاليا من خلال تأمين الأكثرية النيابية في الانتخابات المقبلة، لا تقترن بأيّ خطة عمل واضحة، تماما كالتهديدات التي أطلقتها واشنطن بعدم السماح بفتح طريق طهران–بيروت عبر سيطرة ​الجيش السوري​ والقوات الداعمة له سواء الايرانية او العراقية على الحدود مع بغداد، والتي ذهبت أدراج الريح مع بسط المحور المعادي للولايات المتحدة الاميركية سيطرته عليها من دون ان تحرك الادارة الاميركية ساكنا.