مع إعلان "​حزب الله​" و"​حركة أمل​" بشكلٍ رسميّ أسماء مرشّحيهما إلى الانتخابات النيابيّة، يمكن القول إنّ الثنائيّ الشيعيّ خطا خطوةً إضافيّة في سياق استعداداته للاستحقاق المنتظر في السادس من أيار المقبل، مؤكداً جهوزيّته الكاملة له، بل استنفاره لمعركةٍ مفصليّة يسعى من خلالها لتحقيق فوزٍ مريحٍ، وإن نفى ما يُحكى عن نيّته السيطرة مع حلفائه على البرلمان.

وإذا كان ثنائيّ "الحزب" و"الحركة" حرص على أن يكون "سبّاقًا" في إعلان ترشيحاته، في وقتٍ لا تزال العديد من القوى السياسية الأخرى، الحليفة كما الخصمة، في مرحلة "تريّث" لم تعد مفتوحة، فإنّه تعمّد توجيه العديد من الرسائل "الانتخابيّة" من خلال شكل الإعلان قبل المضمون، ولا سيما لجهة التوقيت "المتزامن"، الذي سعى من خلاله لضرب أكثر من عصفورٍ في حجر...

تغييراتٌ طفيفة

قد يكون حضور اسم امرأة في ترشيحات "حركة أمل"، هي وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية ​عناية عز الدين​، التغيّر النوعيّ الأبرز الذي حملته لائحة ترشيحات "الحركة" للانتخابات المقبلة، بعدما كانت ترشيحات الثنائيّ الشيعيّ حكرًا على الرجال طيلة السنوات الفائتة. وعلى الرغم من أنّ المأمول على الصعيد النسائي كان أكبر، خصوصًا أنّ العديد من قياديّي "الحركة" سبق أن تحدّثوا عن "مفاجآت" يعدّ لها رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ على هذا الصعيد، وصولاً إلى الحديث عن "كوتا نسائية" سيقوم باعتمادها، فإنّه لا شكّ يشكّل رسالة إيجابيّة على صعيد تكريس حقّ المرأة بالمشاركة السياسية، مثلها مثل الرجل، وإن كانت العقلية الذكوريّة لا تزال مسيطرة على الأحزاب السياسية.

وفي حين لم يترجم هذا التغيير على لائحة ترشيحات "حزب الله"، المتَّهَم أصلاً بأنّه من أسقط "الكوتا النسائية" من القانون الانتخابيّ بالضربة القاضية، أو على الأقلّ ممّن أسقطوها، علمًا أنّ الأمين العام للحزب ​السيد حسن نصر الله​ كان واضحًا بحديثه المثير للجدل قبل فترة عن أولويات المرأة وعدم جهوزيّتها لخوض العمل البرلمانيّ، بصيغته الواقعيّة المعمول بها حاليًا في لبنان، فإنّ ترشيحات "الحزب" حملت في المقابل تغييرًا على صعيد تطبيق "فصل النيابة عن الوزارة"، ليكون الحزب الثاني بعد "​التيار الوطني الحر​" الذي يأخذ هذا المنحى، وهو ما تجلى بعدم ترشيح وزير الشباب والرياضة ​محمد فنيش​ للدورة النيابية المقبلة، في حين أشارت المعلومات إلى أنّ وزير الصناعة ​حسين الحاج حسن​، الذي شكّل الاستثناء في "الترشيحات"، اختار النيابة على الوزارة.

أبعد من هذين التغييرين "المبدئيّين" لدى كلّ من "الحزب" و"الحركة"، فإنّ التغييرات التي حملتها لائحة مرشحيهما بقيت متواضعة إلى حدّ بعيد، حيث بقيت الكثير من الأسماء القديمة، وإن طُعّمت ببعض الأسماء الجديدة، كاسم الإعلامي أنور جمعة مثلاً عن "حزب الله" في زحلة، أو رئيس الهيئة التنفيذية في حركة "أمل" محمد نصر الله، وغيرهما. إلا أنّ ذلك لم يبدُ كافيًا، خصوصًا أنّ المنتظر، بعد تسع سنواتٍ من الانتظار لم تشهد أيّ انتخاباتٍ، كان إحداث "ثورةٍ" بكلّ ما للكلمة من معنى على هذا الصعيد، خصوصًا لجهة دخول فئة الشباب على الخط، خصوصًا أنّ "الحزب" و"الحركة" مليئان بالطاقات الشابة الواعدة والقادرة على تغيير الكثير من الصور النمطية.

حسابات وتحالفات...

من الشكل إلى المضمون، لم يكن عفويًا ولا من باب الصدفة التزامن في توقيت إعلان الترشيحات بين "حزب الله" و"حركة أمل"، ولا تصدّي زعيمي الحزبين، أي رئيس المجلس النيابي نبيه بري والأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، للمهمّة، بل إنّ هذا الأمر أتى متعمّدًا ومقصودًا، بغية إرسال إشارةٍ واضحةٍ لا لبس فيها، بأنّ "الثنائي" يخوض المعركة موحّدًا، وبأنّ تحالفهما يبقى الأكثر ثباتًا، رغم كلّ المحاولات التي بُذِلت وتُبذَل لتفريقهما.

انطلاقاً من ذلك، فإنّ "الحزب" و"الحركة" يحرصان عبر إعلان لائحة الترشيحات بتوقيتٍ متزامن، على القول إنّهما متفقان ضمنيًا على كلّ التفاصيل، بل إنّ أسماء المرشحين تمّت غربلتها من جانبهما، وتمّ تخطّي كلّ الملاحظات والتحفظات بما يؤكد على التحالف الثابت والراسخ، خصوصًا في ظلّ ما حُكي مرارًا وتكرارًا عن خلافاتٍ وتبايناتٍ على ترشيحٍ من هنا، أو مقعدٍ من هنالك، قبل الاتفاق على آلية واضحة لتوزيع المقاعد وتقاسمها فيما بين الجانبين.

وإذا كان الثنائيّ الشيعيّ قد أعلن لائحة مرشّحيه شبه الموحّدة، وإن قُسِمت إلى قسمين، انطلاقاً من توزيعهم على كتلتين نيابيّتين، فإنّ "حساباتٍ" كثيرة تجعله متريّثًا في بتّ التحالفات بشكلٍ نهائيّ، في وقتٍ كان الأمين العام لـ"حزب الله" مثلاً واضحًا بحديثه عن إمكانية التحالف مع "التيار الوطني الحر" كما "الافتراق الحبّي" عنه، وهو ما لم يلق أصداءً سلبيّة في صفوف "العونيّين"، رغم كلّ ما أثير في الآونة الأخيرة، وهذا الأمر سيكون مرتبطًا بشكلٍ أساسيّ بالتحالف بين "التيار" و"​تيار المستقبل​"، الذي بات هو الآخر شبه محسومٍ في معظم الدوائر.

وفي حسابات الأرقام بالنسبة لثنائي "حزب الله" و"أمل"، يبقى الهدف الأساسي هو "احتكار" كلّ المقاعد التي أعلنت لائحة الترشيحات عنها، أو أغلبيّتها، وهو يترك التحالفات مفتوحة انطلاقاً من ذلك، خصوصًا أنّ الأمر لن يكون يسيرًا في بعض الدوائر من دون تحالفات، كما في بعبدا مثلاً، وكذلك جبيل، في حين أنّ المنافسة لن تكون سهلة في دوائر أخرى، كما في بعلبك–الهرمل مثلاً حيث يبقى احتمال الخرق كبيرًا، وكذلك في بيروت، التي سيخوض "الحزب" معركتها أصلاً بلائحة غير مكتملة بهدف "خرق" لائحة "المستقبل". في المقابل، يبدو الثنائي مرتاحًا في دوائر أخرى، ولا سيما في الجنوب، علمًا أنّ "التكتيك" الذي يعتمده في ذلك هو رفع نسبة الاقتراع، ما يؤدّي تلقائيًا لرفع الحاصل الانتخابيّ، ما يصعّب بالتالي مهمّة الخرق على منافسيه.

هل من منافسة؟!

هي رسالة اطمئنان وارتياح أراد الثنائي الشيعي إرسالها من خلال "أسبقيّته" في إعلان ترشيحاته التي سيخوض من خلالها الانتخابات النيابية المقبلة، ارتياحٌ تعكسه ربما استطلاعات الرأي التي تؤكد أنّ الثنائي الشيعي ربما يكون "المنتصر الأكبر" في الانتخابات المقبلة، انتصارٌ يساعد القانون الانتخابيّ الجديد القائم على النسبية على تحقيقه بخلاف القانون الأكثريّ السابق.

لكن، في مقابل رسالة الاطمئنان، هناك رسائل أخرى لا يجب إغفالها، بدأت إشاراتها ترسل من عقر دار "الثنائي الشيعي" في الأيام الماضية، مع انطلاق "مبادرات" مدنيّة بالجملة لمواجهة "الحزب" و"الحركة"، "مبادرات" قد يعتقد البعض أنّ تحقيقها لخروقات جدية يبقى صعبًا، إلا أنّها تبقى أكثر من ضرورية لتكريس طابع منافسة لا بدّ منه في كلّ الدوائر، أياً كانت المعوّقات والحواجز...