في الوقت الذي تخاض فيه أعنف المعارك، ذات التداخل بين اللاعبين الإقليميين والدوليين، على أكثر من جبهة في ​سوريا​، لا سيما في ​الغوطة الشرقية​ و​عفرين​، تشهد أرياف حلب وادلب مواجهة معارك من نوع آخر بين حلفاء الأمس، الذين ينتمون إلى المحور الإقليمي نفسه، أي "​هيئة تحرير الشام​" و"جبهة تحرير سوريا".

الجبهة الأخيرة كانت قد تشكلت قبل أيام قليلة، في 18 شباط الجاري، وهي تضم كل من حركة "أحرار الشام" وحركة "نور الدين الزنكي"، كي تكون "درعاً للشعب والثورة"، و"سهماً في نحور العدو الأسدي ومن أعانه من الغزاة"، و"لبنة في بناء مؤسسات سوريا الحرة"، بحسب ما أعلنت في بيان تأسيسها.

وعلى الرغم من تأكيدها أن هدفها "ليس التفرد بقرار الثورة أو تمثيلها السياسي" و"لا التغلب والبغي على أحد"، كانت المفاجأة بأن أول المعارك التي تخوضها ضد "تحرير الشام"، من دون أن تتضح الأسباب الحقيقية لها، في ظل الإتهامات المتبادلة بين الجانبين بالتسبب بها، إلا أن مصادر مطلعة تشير، عبر "النشرة"، إلى أن ما حصل هو نتيجة طبيعية لتوتر العلاقة بين أعضاء الجبهة الجديدة والهيئة منذ فترة طويلة، معتبرة أن الهدف الأساسي من تشكيل "تحرير سوريا" قد يكون القضاء أو إضعاف الهيئة، نظراً إلى رغبة الكيان الجديد، أو القوى الداعمة له، بحجز موقع لها على طاولة المقاوضات السورية.

وتوضح هذه المصادر أن الجهات الداعمة للفريقين، في السنوات السابقة، كانت واحدة، هي المحور الذي تقوده أنقرة، لكن اليوم لم يعد هذا المحور يجد أن من المناسب له الإستمرار في تأمين الغطاء، ولو بشكل غير معلن لـ"النصرة"، وبالتالي من الأفضل أن تتولى قوى حليفة له محاربتها كي تحل محلها بعد ذلك، بدل أن يقوم بالمهمة محور آخر، وتضيف: "من هنا جاء تشكيل الجبهة الجديدة التي تحقق نجاحات مهمة بسبب الخلافات التي تسيطر على تحرير الشام منذ مدة".

إنطلاقاً من ذلك، ترى هذه المصادر أن هناك مجموعة من النقاط التي ينبغي التوقف عندها في قراءة الواقع الجديد، أبرزها أن "النصرة" لم تعد تتمتع بأي غطاء إقليمي، بالرغم من الخطوات التي قامت بها سابقاً، بالإضافة إلى نقطة أخرى متعلقة بأن التحالف بين "أحرار الشام" و"نور الدين الزنكي" ما كان ليتم لولا تشجيع القوى الخارجية الداعمة لهما، مع العلم أن هذا التحالف جاء بعد اتهام "تحرير الشام" لـ"نور الدين الزنكي" بتصفية أحد قادتها على أحد حواجزها في ريف حلب الغربي.

في هذا السياق، تعتبر المصادر نفسها أن الأهداف السياسية من هذه المواجهات أبعد من تلك العسكرية، وتلفت إلى أنها ستتضح تباعاً في الأيام المقبلة، في حال لم يتم التوصل إلى إتفاق مرحلي على وقف إطلاق النار، كما كان يحصل سابقاً، نظراً إلى أن تسارع الأحداث بات يستدعي من كل الأفرقاء حسم خياراتهم وأوراق قوتهم بشكل سريع، وهذا ما يحصل اليوم من خلال التحالف الجديد.

على الرغم من ذلك، تلفت المصادر المطلعة إلى أن "تحرير الشام" لا تزال تملك العديد من الأوراق التي قد تستفيد منها، أبرزها العودة إلى حضن تنظيم "القاعدة"، الذي كانت قد خرجت من رحمه، في ظل الدعوات المتكررة من قبل زعيم التنظيم إلى التوحد بين الفصائل "الجهادية" العاملة على الساحة السورية، مع تأكيده على أهمية عدم التمسك بالسيطرة على المدن والبلدات والعودة إلى حرب العصابات.

في المحصلة، هي معركة جديدة بين أبناء المحور نفسه سابقاً، سيكون لها تداعيات على الخارطة السورية في الأيام المقبلة، في حال كان القرار حاسماً بالإستمرار بها حتى النهاية.