لا يبدو ان مصر اختارت التوقيت المناسب للاعلان عن صفقة الغاز و​النفط​ مع ​اسرائيل​، اذ على الرغم من ارتباطهما باتفاق سلام قديم نسبياً، الا ان الاحداث والتطورات المتسارعة في المنطقة تجعل من هذا القرار المصري وكأنه موجّه ضد العرب والفلسطينيين بشكل خاص، في ظل المواقف والممارسات الاسرائيلية بحق الفلسطينيين، والتهديدات المباشرة وغير المباشرة ضد ​لبنان​.

ولكن، وفق القراءة المصرية، فإن هذه الخطوة اتت في الوقت المثالي، لانه وفق المنظار المصري، هناك عاملان اساسيان دفعا الى الوصول الى هذه النقطة (من الناحية السياسية وليس من الناحية الاقتصادية او المالية)، هما: الضعف العربي الذي وصل الى اعلى مستوياته، والحفاظ على دور في المنطقة وسط "عجقة" المتنافسين لحجز مكان لهم على طاولة القرارات وسط التحضيرات للاعلان عن الخارطة السياسية الجديدة.

في الشق العربي، لن تنتظر القاهرة عودة النشاط الى العرب ليستعيدوا دورهم "المتواضع اصلا" في المنطقة ولو انه كان محفوظاً لهم، وقد شهدت عملياً ما يمكن للدول الغربية القيام به في سبيل تعبيد الطريق امام المخططات التي وضعتها للشرق الاوسط، وهي غير مستعدة ان تكون ارضاً جديدة للتجارب. وبعد سقوط الخيار العربي بشكل نهائي وسط اهتزازات ​دول الخليج​ من جهة وموافقة بعض ​الدول العربية​ على تطبيع غير معلن للعلاقات مع اسرائيل، اعتمدت السلطات المصرية خياراً اكثر ضمانة بالنسبة اليها وهو الابتعاد عن الضعف والوهن العربي، واستباق الامور بترسيخ العلاقة مع اسرائيل ومن خلفها مع الدول الغربية مع الاخذ بالاعتبار ارضاء الاميركيين وعدم ازعاج الروس.

اضافة الى ذلك، بات العامل النفطي والغاز في المنطقة من اكثر النقاط المهمة بالنسبة الى العالم، ومع دخول لبنان على هذا الخط ايضاً، اصبح من الضروري بالنسبة الى مصر عدم خسارة نقاط او استثمارات او اهتمام خارجي، ولضمان عدم حصول اهتزازات امنية او "عرقلة" اسرائيلية بمساعدة غربية لمشاريعها، ابرمت اتفاقاً ضخماً مع اسرائيل، وراهنت على ان المرحلة المقبلة ستشهد نقلة مغايرة تماماً لما هي الصورة عليه اليوم بين العرب واسرائيل، فتكون بذلك السبّاقة مجدداً الى ركوب قطار الاتفاقات والتسويات السياسية.

اما في الشق الآخر المتعلق بحفظ دورها على طاولة القرارات، فهي تنظر بعين الريبة والقلق الى "الهجمة" الايرانية والتركية التي بدأت تتوسع وتأخذ منحى جدياً في بسط سيطرة ونفوذ ميداني عملي، بغطاء دولي، ووسط عجز خليجي عموماً وسعودي تحديداً في اعادة رسم الخطوط الحمراء التي كانت قائمة سابقاً وكفلت تأمين نوع من الحماية لمكانة دول الخليج ودورها في المنطقة عبر لعب ادوار مباشرة في النزاعات والمصالحات وغيرها من الامور...

ومع اضمحلال مشهد المبادرات السابقة لعملية السلام في ​الشرق الاوسط​، حاولت مصر العودة الى خطها القديم عبر الورقة الفلسطينية، فلعبتها من خلال رعايتها المصالحة الداخلية بين "حماس" وحركة "فتح"، انما هذه المرة لم تعطِ الورقة الفلسطينية الفائدة المرجوة كما في السابق، وذلك لان المعطيات والاحداث وحتى اللاعبين تغيّروا، ومن الطبيعي ان تتغيّر معهم النتائج ايضاً. وبما ان الطرف الفلسطيني لم يشكّل ورقة رابحة وفق النظرة المصرية، كان لا بد من اللجوء الى الطرف الآخر فكان اتفاق مع اسرائيل بدأ اقتصادياً ولكنه يحمل معه بوادر اتفاقات في اكثر من مجال، علماً ان اسرائيل نقطة التقاء للاطراف الغربية وبالاخص لواشنطن وموسكو، كما انها تشكل مادة دسمة دائمة على مائدة الدول الاخرى المعنية مباشرة بأزمة المنطقة.

وفي ظل الضياع العربي، دلّت البوصلة المصرية على اسرائيل، فهل اخطأت القاهرة في مسارها ام انها قامت بخطوة وسارت على الطريق التي سيسير عليها الكثير من الدول العربية في وقت لاحق الذين يحملون البوصلة نفسها؟ وفي حال صحة هذه التوقعات، كيف سيتعامل باقي العرب ومنهم لبنان، مع الموضوع؟.